خيبة أمل داخلية وخارجية… إدارة دمشق فشلت في إقناع الداخل والخارج بمستقبل أكثر أمناً واستقراراً

رغم الحراك الدبلوماسي المكثف لقيادات الحكومة السورية المؤقتة سواء رئيسها أحمد الشرع أو وزير خارجيتها أسعد الشيباني، إلا أن المواقف الداخلية والخارجية حيال الحكومة السورية لم تعد كما كانت قبل أشهر، حيث يبدو أن الحكومة فشلت في إقناع الداخل والخارج بمستقبل أكثر أمناً واستقراراً.
ففي الوقت الذي ساد فيه نوع من الارتياح على الصعيدين الداخلي والخارجي حيال الأوضاع في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد وصعود هيئة تحرير الشام إلى السلطة. حيث بدا جلياً أن الرأي العام الداخلي والخارجي كان بطريقة ما على استعداد للتغاضي عن ماضي هيئة تحرير الشام وزعيمها “الجولاني” أحمد الشرع، لصالح التعويل على إمكانية وقدره الأخيرة على تجاوز ماضيها الجهادي وتحقيق عملية انتقالية ناجحة في سوريا.
واستضافت دمشق خلال الأسابيع الأولى بعد سقوط النظام زيارات داخلية وإقليمية ودولية، تهدف إلى طمأنة دمشق وحثها على المضي في عملية الانتقال السياسي، إلا أن الموازين انقلبت خلال أشهر قليلة جداً من عمر السلطة الجديدة.
فعلى الصعيد الداخلي لم تستطع السلطة المؤقتة إقناع المكونات السورية بمستقبل مستقر وآمن، تمثل في عقد مؤتمرات حوارية شمولية تمثيل طيفاً سورياً محدداً، تلاها الإعلان الدستوري الذي صدم السوريين، ليكتمل المشهد بالقشة التي قصمت ظهر البعير مع مشاهد المجازر الدموية ضد أبناء الطائفة العلوية في الساحل السوري.
هذه التراكمات أثرت بشكل ملحوظ على الأداء الدبلوماسي للحكومة السورية المؤقتة.
مع استمرار التحولات السياسية في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، تتشكل مواقف الدول الإقليمية والدولية تجاه الحكومة السورية المؤقتة بقيادة أحمد الشرع وسط توترات أمنية متصاعدة، خاصة في الساحل السوري.
خلال الأسبوع الماضي، تباينت الرؤى والمواقف الدولية بين دعم مشروط دبلوماسي حذر ، ومواجهة مصالح متضاربة.
فعلى الصعيد الإقليمي تتبنى إسرائيل موقفًا متشددًا تجاه حكومة أحمد الشرع في دمشق. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كان قد صرّح أن “أي تقارب بين الشرع أو فصائل مدعومة من إيران سيواجه ردًا عسكريًا حاسمًا. وزير الدفاع يسرائيل كاتس واصل هجومه اللفظي، واصفًا الشرع بـ”الإرهابي الجهادي”، مضيفًا اتهامات جديدة حول “عدم استقرار حكومته”، محذرًا من تدخل عسكري إذا لزم الأمر.
وزير الخارجية جدعون ساعر، دعا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تشديد العقوبات على سوريا، وحذر من “خداع الشرع للمجتمع الدولي”.
أمريكياً أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن تركيز السلطة بيد فرد واحد أمر غير مقبول، مشيرة إلى أنها تراقب التطورات ولن ترفع العقوبات في المدى القريب. وتشدد الإدارة الأمريكية على أن تتخلى القيادة الجديدة في سوريا عن أيديولوجيتها الجهادية السابقة وهذا ما أكد عليه مؤخراً نائب الرئيس الأمريكي، “جاي دي فانس، في أحدث لقاءاته قائلاً “علينا ان لا ننسى مع من نتعامل و لا نريد أحد أن يهاجمنا بطائرات كما حصل سابقاً، كما أننا لا نريد أن تباد مجتمعات مسيحية عن وجه البسيطة، وألا تتعرض مجموعات دينية أخرى للقتل والاضطهاد متل الدروز والعلويين”.
فيما واصل الاتحاد الأوروبي خلال الأسبوع الماضي سياسته الحذرة تجاه حكومة أحمد الشرع المؤقتة في دمشق، مركزًا على دعم انتقال سياسي ومكافحة الإرهاب.
ألمانيا دعت لمحاسبة مرتكبي أعمال العنف في الساحل وسط تساؤلات عن ثقتها بالشرع. السياسة الأوروبية، بقيادة ألمانيا، تجمع بين الدعم المالي والحذر، مع ضغوط لضمان استقرار سوريا دون الاعتراف الكامل بحكومة مرتبطة بهيئة تحرير الشام.
كما تباينت مواقف الدول العربية تجاه الحكومة السورية المؤقتة وسط تصاعد العنف في الساحل السوري. السعودية أدانت الهجمات في آذار الجاري، فيما دعت الإمارات في 21 آذار إلى احتواء التطرف، مع دعم حذر لسيادة سوريا.
الأردن أدان الهجمات في 22 آذار، مشدداً على التنسيق الأمني. مصر دعت في 21 آذار إلى عملية انتقالية شاملة، محذرة من التطرف.
أما العراق عبّر في 20 مارس عن مخاوفه من الفوضى، مرسلاً وفداً أمنياً إلى دمشق في 23 آذار. وسبق أن شهد اللقاء الذي جميع بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره العراقي فؤاد حسين في بغداد توتراً ملحوظاً خلال المؤتمر الصحفي الذي تضمن تلميحات مضمرة من قبل الوزير العراقي ومخاوف من تصاعد الإرهاب والفوضى في سوريا، فيما لم تحقق الزيارة بشكل عام مساعيها في قضايا النفط والغاز وغيرها من القضايا.
ويرى مراقبون أن السلطات المؤقتة في سوريا فشلت خلال فترة قصيرة جداً في إقناع الرأي العام الداخلي والخارجي بقدرتها على قيادة سوريا في المرحلة الانتقالية وتحييد المخاوف سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.