كونفرانس وحدة الصف الكوردي.. خطوة مفصـ ـلية في مستقبل الكورد وسوريا

أحمد خليل
في 26 نيسان 2025، شهدت مدينة القامشلي حـ ـدثـ ـاً سياسياً لافتاً، تمثّل بانعقاد “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكوردي”، بحضور أكثر من 400 شخصية سياسية ومجتمعية من مختلف مناطق شمال وشرق سوريا، إضافة إلى ممثلين من إقليم كوردستان العراق ومبعوثين دوليين. لم يكن هذا المؤتمر مجرد لقاء اعتيادي للكورد، بل جاء في لحظة فارقة، حاملاً معه رسائل عميقة للداخل السوري والخارج الإقليمي والدولي.
أهمية الكونفرانس للكورد: توحيد الإرادة في وجه التحديات
لطالما عانى الكورد في سوريا من الانقسام السياسي، ما أضعف مواقفهم في المحافل الوطنية والدولية. ورغم مشاركتهم الفاعلة في الحرب ضد الإرهاب وقيادتهم نموذج الإدارة الذاتية، بقيت قضيتهم القومية رهينة التجاذبات الحزبية والنفوذ الإقليمي. من هنا، تأتي أهمية هذا الكونفرانس باعتباره أول محاولة فعلية وجادة لتوحيد الخطاب والرؤية الكوردية، وصياغة “ورقة سياسية مشتركة” تضع مطالب واضحة ضمن الإطار السوري العام.
إن التوافق على هذه الورقة المشتركة يفتح الباب أمام تشكل وفد كوردي موحد يمكنه الجلوس على طاولة المفاوضات، سواء في دمشق أو في أي إطار دولي، لطرح القضية الكوردية بوصفها قضية وطنية سورية، وليست مطلباً فئوياً.
البعد السوري: من التمثيل الكوردي إلى شراكة وطنية
ما يميز الكونفرانس أنه لم يتقوقع في الإطار القومي الضيق، بل شدد على أن مستقبل الكورد لا ينفصل عن مستقبل سوريا كلها. فالمطالبة بسوريا لا مركزية، ديمقراطية، متعددة القوميات، تعكس إدراكاً متزايداً لدى القوى الكوردية بأن حل القضية الكوردية لن يكون بمعزل عن حل شامل للأزمة السورية.
وعليه، فإن نتائج الكونفرانس تحمل بعداً سورياً بامتياز. فهي تشكل مساهمة حقيقية في صياغة مشروع سياسي بديل للنظام المركزي القائم، وتدعو إلى صيغة حكم تضمن المساواة والعدالة لكل المكونات، بما فيها العرب، السريان، الأرمن، وغيرهم، بعيداً عن منطق الغلبة أو التهميش.
رسائل..
رسالة الكونفرانس كانت واضحة للجميع في سوريا: فلن يكون هناك استقرار دائم دون الاعتراف الدستوري بالحقوق القومية للكورد، وضمان مشاركتهم في صنع القرار السياسي والاقتصادي. وعلى سلطة دمشق أن تبرهن على جديتها من خلال الانفتاح على الورقة الكوردية ومطالبها، باعتبارها جزءاً من الحل لا تهديداً له.
البعد الإقليمي والدولي
وتمثل الوحدة الكردية ورقة قوة سياسية بيد الكورد تقيهم من التهديدات الخارجية، وتجعلهم طرفاً موثوقاً في أي معادلة دولية بشأن مستقبل سوريا.
كما أن الحضور الدولي، بما فيه ممثلون أمريكيون وأوروبيون، يعطي إشارات بأن المجتمع الدولي ينظر بإيجابية إلى أي محاولة لترسيخ الاستقرار عبر حلول سياسية شاملة، لا تهمّش أي مكوّن سوري.
إن “كونفرانس وحدة الصف الكوردي” لم يكن فقط اجتماعاً للكورد، بل حدثاً سورياً بامتياز. هو خطوة نحو إنهاء التهميش التاريخي للكورد، ومساهمة فعالة في الدفع نحو حل سوري شامل، يستند إلى التعددية والشراكة، لا الهيمنة والإقصاء. وإن تُرجمت مخرجاته إلى أفعال، فقد يكون بداية جديدة لتوازن سياسي يُنهي عقداً من التمزق ويضع أسساً لدولة مدنية ديمقراطية جامعة.