عندما يتحـ ـول الإعلامي إلى مُـ ـحـ ـرض طـ ـائـ ـفي: عبد السلام عبد الله نموذجاً

كان عضواً في داعش ولا يزال على تواصل مع خلاياه

منذ انـ ـدلاع الصـ ـراع في سوريا عام 2011، لم يكن الإعلام مجرد ناقل للأحـ ـداث، بل تحول في كثير من الأحيان إلى أحد أطـ ـراف الـ ـنـ ـزاع، يمـ ـارس التـ ـحـ ـريـ ـض، وينـ ـشر الكـ ـراهـ ـية، ويعـ ـمّق الانقـ ـسـ ـامـ ـات. ومع تصـ ـاعد وتيرة الحـ ـرب، أصبحت بعض المنصـ ـات الإعلامية، سواء التـ ـابـ ـعة للنـ ـظـ ـام أو للفـ ـصـ ـائل المعـ ـارضة، أدوات لتـ ـأجـ ـيج الصـ ـراع الطـ ـائـ ـفي، متجاوزة بذلك كل المعايير المهنية والإنسانية واستمر هذا الأمر حتى بعد سقـ ـوط نظـ ـام بشـ ـار الأسـ ـد وربما أكثر حـ ـدة.

الإعلام الطائفي: بين الخطاب السياسي والميدان العسكري

وتحوّلت وسائل الإعلام، الرسمية منها والمستقلة، إلى أدوات للدعاية السياسية، وبدأت باستخدام لغة تعبّر عن الكراهية والرفض الكامل لمكونات بعينها، مثل الطائفة العلوية أو الكوردية أو الدرزية وبدأت بالتحريض ضدها.

هذا الخطاب لم يقتصر على القنوات التلفزيونية، بل امتد إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح بعض الصحفيين والناشطين الموالين للسلطة ينشرون مقاطع ومقالات تتضمن تحريضاً واضحاً على العنف، أو تلميحات تدعو لإبادة جماعية ضد مكونات كاملة.

من الصحافة إلى الدعاية

ومؤخراً ظهر نمط جديد من الصحفيين، ممن كانوا سابقاً جزءاً من تشكيلات عسكرية أو خلايا متشددة، قبل أن ينتقلوا للعمل في الإعلام. هؤلاء لم يتخلّوا عن خطابهم القديم، بل استخدموا منصاتهم لتلميع صورة بعض التنظيمات أو تسويق رواياتها، أحياناً تحت غطاء “الحقوق الإنسانية” أو “الواقع الميداني”.

وقد أظهرت تقارير غير رسمية وجود شخصيات إعلامية كانت على صلة بتنظيمات مثل داعش، عملت لاحقاً كمراسلين ميدانيين، تنقل أخباراً مغلّفة برؤية فكرية متطرفة، وتوظف الخطاب الإعلامي لإثارة النعرات والفتن، خصوصاً في مناطق ريف دير الزور والرقة.

ومن بين هؤلاء الذين يدعون أنهم صحفيون دون أن يفقهوا شيئاً من أخلاقيات الإعلام، المدعو عبد السلام عبد الله هو مراسل ميداني يعمل مع قناة “تلفزيون سوريا”، ويتركز نشاطه في مناطق ريف دير الزور، وخاصة في مدينة البوكمال.

هذا الشخص يركز في تغطيته لقناته على الأوضاع الإنسانية والخدمية في المنطقة من أجل كسب الشعبية، ولكنه في ذات الوقت يعمل على التحريض الطائفي ضد الكورد والإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا كما ينشر الفتن بين شعوب المنطقة خدمةً لأجندات خارجية.

والمعروف عن هذا الشخص أنه كان عضواً نشطاً في تنظيم داعش أثناء سيطرته على المنطقة ولا يزال على تواصل مع خلايا داعش، حيث كان مسؤولاً عن نقل الذخيرة بين مدن ريف دير الزور.

خطر “الصحفي الميداني” دون خلفية مهنية

أخطر ما في هذه الظاهرة أن من يعملون في هذا النوع من الإعلام غالباً لا يملكون خلفية إعلامية أو تدريباً مهنياً، ما يجعلهم أكثر عرضة لتبني السرديات الطائفية، ونشر المعلومات المضللة، والترويج لأجندات خارجية. والأنكى من ذلك أن بعضهم يحظى بمتابعة واسعة، بسبب تغطيتهم “الإنسانية”، والتي تُستخدم أحياناً كغطاء لتمرير خطاب الكراهية.

التبعات الكارثية

التحريض الطائفي من خلال الإعلام ليس مجرد مشكلة أخلاقية، بل يمثل خطراً مباشراً على الاستقرار والسلم الأهلي. في سوريا، ساهم هذا النوع من الإعلام في تغذية الانقسامات المجتمعية، وخلق بيئة مناسبة لارتكاب المجازر والانتهاكات. كما كان عاملاً في تعقيد جهود الحوار والمصالحة، إذ رسّخ الانقسام وجعل من “الآخر” عدواً دائماً في الوعي الجمعي.

ما الحل؟

لا يمكن إنهاء الحرب الطائفية في سوريا من دون كبح جماح الإعلام المتطرف. ويتطلب الأمر إطلاق مبادرات مستقلة للرقابة الإعلامية تفضح خطاب الكراهية وتقيّمه. وإعادة تأهيل الكوادر الإعلامية ضمن معايير مهنية واضحة. وتمويل منصات إعلامية بديلة تعزز قيم التعايش وتلتزم بأخلاقيات المهنة. ومحاسبة الجهات أو الأفراد الذين يثبت تورطهم في التحريض الطائفي من خلال الأطر القانونية والمؤسسات الإعلامية المهنية.

مشاركة المقال عبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى