مشـ ـفى متنقل إسرائيلي في قرية حضر يثـ ـير الجدل بين المساعدات الإنسانية والانتهـ ـاك السيادي

سلطة دمشق تجري محادثات مع إسرائيل

في خطوة مفـ ـاجئة تحمل أبعاداً إنسانية وسياسية متشابكة، أعلن الجيـ ـش الإسـ ـرائيلي أواخر أيار/مايو الماضي، تشغيل مشـ ـفى ميداني متنقل في قرية حضر السورية ذات الغالبية الدرزية، الواقعة في منطقة جبل الشيخ ضمن مرتفعات الجولان، وذلك لـ “تقديم العـ ـلاج الطبي لسكان المنطقة ودعم أبناء الطائفة الدرزية في سوريا”.

منشأة طبية ميدانية: ما الذي نعرفه عنها؟

ووفق تصريح مصدر عسكري إسرائيلي لـ”بي بي سي نيوز عربي”، فإن المشفى عبارة عن كرفان طبي مجهز بعدة غرف وأجنحة تقدم خدمات في تخصصات محددة، تشمل طب الأطفال، وطب الأسرة، وأمراض النساء، دون إجراء أي عمليات جراحية داخله. كما يتم نقل الحالات الحرجة للعلاج داخل إسرائيل، على أن يُعاد المرضى لاحقاً إلى قريتهم.

دون تنسيق.. وبدافع “إنساني”

أدهم (اسم مستعار)، أحد سكان حضر، أكد أن إنشاء المشفى لم يسبقه أي تنسيق مع وجهاء القرية أو مشايخ الطائفة، وهو ما أقر به الجيش الإسرائيلي، مشيراً إلى أن الدافع كان إنسانياً بحتاً.

ويضيف أدهم: “كنا بأمسّ الحاجة إليه، إذ لا يوجد في القرية سوى طبيبين عامّين لا يجريان عمليات جراحية، ولا تتوفر تحاليل أو أجهزة تصوير شعاعي”. وأشار إلى أن أقرب مشفى، وهو “مشفى الجولان الوطني” في محافظة القنيطرة، يعاني من نقص حاد في الكوادر والمعدات، ما يضطر المرضى إلى التوجه للعلاج في دمشق.

أزمة طبية متفاقمة

من جهته، قال محمد سعيد، مدير الإعلام في محافظة القنيطرة، إن السبب الرئيس لتردي الواقع الصحي في المنطقة هو تهجير العقول والكفاءات الطبية خلال النظام السابق، مضيفاً أن الحكومة السورية الجديدة بدأت منذ فترة في ترميم أقسام داخل مشفى الجولان، وتحاول سد العجز في الكوادر والمعدات رغم التحديات الكبيرة، ولكن رغم مرور 7 أشهر من سقوط النظام السابق لم تستطع السلطة الجديدة تقديم الخدمات للمواطنين.

ضمن منطقة عازلة خاضعة لسيطرة إسرائيل

وقرية حضر تقع ضمن نطاق المنطقة العازلة المحاذية لهضبة الجولان المحتلة، وتبعد نحو 75 كم عن دمشق. وكانت هذه المنطقة قد شهدت انتشاراً عسكرياً إسرائيلياً بعد سقوط نظام بشار الأسد أواخر عام 2024، بدعوى التصدي “لمسلحين” تسللوا إليها، بحسب بيان الجيش الإسرائيلي آنذاك.

وقد أدانت بعثة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (أوندوف) تلك الخطوة، ووصفتها بأنها خرق لاتفاقيات وقف إطلاق النار ورفع للأعلام الإسرائيلية داخل أراضٍ سورية.

اتهامات بانتهاك السيادة السورية

ورداً على بناء المشفى، أكد محمد سعيد أن الحكومة السورية المؤقتة لم تُنسق مع إسرائيل بشأن هذه الخطوة، واعتبرها “انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية وللقانون الدولي”، واصفاً إياها بأنها محاولة “لتبرير الوجود الإسرائيلي غير الشرعي في الجولان”.

في المقابل، قال مصدر عسكري إسرائيلي إن إقامة المشفى تأتي في إطار “إستراتيجية الدفاع الاستباقي” بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مشيراً إلى أن منطقة عازلة أُنشئت كحاجز أمني بين إسرائيل والجماعات المسلحة داخل سوريا.

موجة نزوح ومساعدات درزية

وشهدت قرية حضر مؤخراً نزوح عشرات العائلات من أشرفية صحنايا بريف دمشق إثر اشتباكات مع جماعات مسلحة بعضها تابع للأمن العام لدى سلطة دمشق، أعقبتها غارات إسرائيلية.

وأكد المصدر العسكري الإسرائيلي أن بناء المشفى جاء تلبية لطلب “مصابين دروز فرّوا من القصف وطلبوا المساعدة”، موضحاً أن الجيش يقدّم الدعم لأبناء الطائفة الدرزية في المنطقة، استناداً إلى “روابط عائلية وثقافية”، حسب تعبيره.

وقد أكد أحد مشايخ الدروز في حضر لـ”بي بي سي” توافد الفارين إلى نقاط تمركز الجيش الإسرائيلي، وطلبوا المساعدة الطبية دون إبداء موقف سياسي واضح، فيما ذكر الجيش أن المشفى قدّم خدمات طبية لأكثر من 500 مدني سوري حتى الآن.

جدل بين المساعدات والاختراق السياسي

ويرى مراقبون أن المشفى المتنقل يعكس أبعاداً إنسانية واضحة لكنها لا تخلو من الأهداف السياسية والعسكرية، في ظل استمرار التوتر على الحدود السورية – الإسرائيلية، ومحاولات تل أبيب التأثير في المجتمعات المحلية داخل سوريا ما بعد الأسد.

وفي الوقت ذاته، يثير هذا الوجود الإسرائيلي تساؤلات حول مستقبل السيادة السورية في الجولان، وما إذا كانت مثل هذه “المبادرات الطبية” ستمهد لواقع جديد يتجاوز الأبعاد الإنسانية نحو شرعنة الوجود العسكري الإسرائيلي في المناطق الحدودية وسط صمت مطبق من سلطة دمشق.

ويشار أن سلطة دمشق بدأت بإجراء مفاوضات مباشرة مع الجانب الإسرائيلي من أجل تطبيع العلاقات، ونظراً لخشية السلطة الجديدة من ردود الفعل الشعبية، فأنها تتريث في اتخاذ الخطوات، وتنفذ ذلك رويداً رويداً.

مشاركة المقال عبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى