التحشـ ـيدات التركية حول سد تشرين وجسر قرقوزاق: معلومات مضـ ـللة أم واقـ ـع ميـ ـداني؟

حرب نفسية وإعلامية ممنهجة، تهدف إلى الضغط على الإدارة الذاتية

شهدت الساحة الإعلامية السورية مؤخراً تداول أخبار عن تحشـ ـيدات عسـ ـكرية تركية كبيرة في منطقة سد تشرين وجسر قرقوزاق على الضفة الغربية لنهر الفرات، تزامنت مع تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال فيها: “إذا اسـ ـتُلّ السـ ـيف من غمـ ـده، فلن يبقى مكان لقلم ولا كلام”، في إشارة مباشرة إلى المكون الكوردي في سوريا. هذه التصريحات، إلى جانب ما تم تداوله عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ساهمت في خلق انطباع عام عن وجود تحـ ـركـ ـات عسـ ـكرية تركية واسعة في محيط شمال وشرق سوريا.

إلا أن الرصد الميداني والتحقق على الأرض كشفا عن حقيقة مختلفة تماماً. فالتحشيدات المعلنة لم تتجاوز كونها رمزية، ولم تُسجل أي تحركات فعلية أو نشر لقوات تركية بشكل جدي على طول خطوط الجبهة، واقتصرت التحركات في نقاط المراقبة، مع بعض الآليات الخفيفة لتبديل الجنود والتي تتم بشكل دوري، دون أي استعداد واضح لهجوم أو مواجهة مباشرة. وهذا يبرز التباين الكبير بين الصور الإعلامية المبالغ فيها والواقع الميداني على الأرض.

ويشير المراقبون إلى أن هذه التحركات تأتي ضمن حرب نفسية وإعلامية ممنهجة، تهدف إلى الضغط على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا لتقديم تنازلات سياسية لصالح سلطة دمشق، وخلق صورة مضللة عن قوة سلطة دمشق، رغم ضعفها الفعلي، خاصة بعد المجازر التي ارتكبتها السلطة الجديدة بقيادة هيئة تحرير الشام خلال الأشهر التسعة الماضية من حكمها في سوريا. كما أن أنقرة تسعى من خلال هذه الحرب النفسية إلى استغلال الوضع الإقليمي والسياسي داخلياً، وسط مخاوف من تدهور الأوضاع في الداخل التركي واستغلال القوى الخارجية لذلك.

الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من عقد، تصاعدت مع وصول هيئة تحرير الشام إلى سدة الحكم منذ 9 أشهر، حيث تتصف هذه السلطة بالارتباط المباشر بالإملاءات التركية، وتسعى تركيا عبر وسائل متعددة لإظهار الدعم لهذه السلطة رغم بدء فقدانها للشرعية الشعبية. فالمجازر التي ارتكبتها هذه السلطة في مناطق مثل السويداء والساحل السوري راح ضحيتها آلاف المدنيين، ما دفع قطاعات واسعة من الشعب السوري إلى النفور من توجهاتها ومحاولاتها فرض نظام أمني ديني يتماشى مع أهداف الهيئة، بعيداً عن أي تمثيل حقيقي للمواطنين أو مشاركة شعبية حقيقية في صناعة القرار.

ومنذ وصولها إلى سدة الحكم، تتخذ سلطة دمشق وبتوجيهات تركية، خطوات فردية لتعزيز قبضتها الأمنية في البلاد، بدءاً من إقرار دستور مؤقت، مروراً بعقد مؤتمر وطني يضم الموالين لها، وصولاً إلى الإعداد لانتخابات مجلس الشعب، حيث يتم تعيين 70 من أعضاء المجلس الـ 210 من قبل رئيس السلطة المؤقتة، ما يعكس تركيزاً للسلطة في يد شخص واحد على غرار ما كان موجوداً في عهد نظام الأسدين الأب والابن، وعدم الالتزام بآليات ديمقراطية تضمن تمثيل السوريين بشكل حقيقي.

هذه الإجراءات الفردية، إلى جانب تواطؤ تركيا في دعم السلطة، تعكس حجم التحديات التي تواجه استعادة الثقة بين الشعب السوري ونظام الحكم الحالي، وتوضح الأسباب التي تجعل أي تهديد أو تحرك تركي يُتداول إعلامياً كجزء من حملة تضليل سياسية تهدف لتثبيت وضع السلطة الحالية دون مواجهة الواقع الشعبي والمعاناة الحقيقية للسكان.

وتؤكد هذه المعطيات أن ما يتم تداوله إعلامياً حول التحشيدات التركية في جبهة سد تشرين وجسر قرقوزاق لا يعكس الواقع على الأرض، وأن التركيز على التحركات الميدانية الدقيقة يكشف أن الجيش التركي لم يشرع في أي عمليات هجومية فعلية. في المقابل، تبرز أهمية التحليل الدقيق للأخبار قبل تصديقها، وتمييز الأخبار المضللة عن الرصد الواقعي، خصوصاً في مناطق تشهد حساسية سياسية وعسكرية كبيرة مثل شمال وشرق سوريا، حيث تُكمل الأزمة السورية ونفوذ هيئة تحرير الشام المشهد المأزوم للشعب السوري.

مشاركة المقال عبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى