جنوب سوريا وجبل الشيخ: اتفاقات أم تنازلات؟

تشهد مناطق جنوب سوريا، بما في ذلك القنيطرة ودرعا والسويداء، حالة من التـ ـوتـ ـر الأمـ ـنـ ـي والسياسي المرتفع منذ مطلع عام 2025، مع تركيز خاص على جبل الشيخ. تُعد هذه المنطقة استراتيجية بسبب موقعها الجغرافي، إذ تمتد قمم الجبل بين سوريا ولبنان وإسـ ـرائيل، ما يجعل السيـ ـطرة عليها ذات أهمية جيوستراتيجية عالية لأمـ ـن دمشق وتل أبيب على حد سواء.

استهداف إسرائيل للمواقع العسكرية في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد

بعد سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، كثفت إسرائيل من غاراتها الجوية على مواقع عسكرية سورية. ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان نحو 322 غارة نفذتها الطائرات الحربية الإسرائيلية على الأراضي السورية منذ سقوط الأسد. شملت هذه الغارات استهداف منشآت عسكرية ومراكز أبحاث علمية ومطارات عسكرية، مما أدى إلى تدمير جزء كبير من البنية التحتية العسكرية السورية. كما أفادت وكالة “رويترز” بأن إسرائيل دمرت أكثر من 70% من الأسلحة الاستراتيجية السورية.

مفاوضات بين سلطة دمشق وتل أبيب

ومنذ بداية عام 2025، بدأت محادثات سياسية وأمنية بين سلطة دمشق الجديدة بقيادة أحمد الشرع والحكومة الإسرائيلية، بوساطة أمريكية جرت بعض جولاتها في أذربيجان وأخرى في فرنسا. تركزت المفاوضات على قضايا أمنية استراتيجية، أبرزها التوترات في جنوب سوريا، بما في ذلك القنيطرة، درعا، السويداء، وجبل الشيخ.

المحادثات المباشرة الجارية حالياً بين سلطة دمشق والحكومة الإسرائيلية، برعاية أمريكية، تحاول التوصل إلى اتفاق أمني حول جنوب سوريا وجبل الشيخ بشكل خاص حيث ترفض إسرائيل الانسحاب من المواقع التي وصلت إليها بعد سقوط نظام الأسد.

واستغلت إسرائيل الفراغ الأمني في جنوب سوريا بعد سقوط نظام الأسد لتعزيز وجودها العسكري. وبحسب تقارير، سيطرت إسرائيل على مناطق مثل مدينة السلام، خان أرنبة، قطنا، أجزاء من القنيطرة وريف دمشق، والجانب السوري من جبل الشيخ. هذه السيطرة تُعتبر تحدياً مباشراً لسلطة دمشق التي التزمت الصمت حيال هذه السيطرة.

الأهمية الاستراتيجية لجبل الشيخ

وتركز إسرائيل بشكل كبير على جبل الشيخ، حيث تُعد القمم المرتفعة لجبل الشيخ نقاط مراقبة استراتيجية، تمنح قدرة على رصد كامل منطقة جنوب سوريا، وهي مناطق تشكل خطوط تماس حساسة بين سوريا وإسرائيل ولبنان. السيطرة على الجبل مرتبطة مباشرة بالأمن المائي لدمشق، إذ يغذي الجبل حوض بردى ومصادر المياه الرئيسية للمدينة، ما يجعل أي تفاهمات محتملة حول المنطقة مسألة حساسة للغاية.

أهمية جبل الشيخ لإسرائيل

وبالنسبة لإسرائيل، يمثل جبل الشيخ أهمية بالغة على عدة مستويات. فهو يتيح نقاط مراقبة حيوية على طول الحدود مع سوريا ولبنان، ما يتيح القدرة على رصد تحركات قوات سلطة دمشق والفصائل غير المنضبطة التابعة لها. كما يشكل جبل الشيخ جزءاً من شبكة الدفاع الجوي والاستخباراتي الإسرائيلي، إذ السيطرة على القمم تمنح تفوقاً استراتيجياً في حال وقوع أي صراع مع دمشق أو مع تركيا في المنطقة. علاوة على ذلك، تُعتبر قمم الجبل مصدر ضغط جيوستراتيجي على الأمن المائي لسوريا، ما يعطي إسرائيل ورقة تفاوض قوية ضمن المحادثات الجارية حول جنوب سوريا ودفع دمشق للتطبيع لاحقاً.

الوضع على الأرض في الجنوب السوري

وعلى الأرض، شهدت القنيطرة هجمات محدودة من قبل إسرائيل على مواقع لوجستية لقوات سلطة دمشق والفصائل المسلحة، ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى بين المدنيين. وفي درعا، استمرت الاشتباكات المحدودة بين قوات سلطة دمشق والمجموعات المحلية، مع جهود السلطة لفرض سيطرتها. أما السويداء، فقد تعرضت لهجمات من قبل قوات سلطة دمشق تدخلت على إثرها إسرائيل وقصفت المهاجمين ومبنى قيادة الأركان في العاصمة دمشق، ما أجبر قوات سلطة دمشق للانسحاب، حيث يجري التفاوض حالياً بشأن محافظة السويداء أيضاً، إذ يرفض الدروز أي وجود لقوات سلطة دمشق والتي تهيمن عليها هيئة تحرير الشام إلى جانب فصائل إسلامية متشددة تقتل السوريين على الهوية الطائفية فقط لأنهم ليسوا من المسلمين السنة.

حاخام يزور دمشق ويصلي للشرع.. تثير التساؤولات!

والأحد زار الحاخام السوري الأمريكي هنري حمرا العاصمة دمشق برفقة يهود آخرين، حيث تكشف هذه الزيارة عن أبعاد رمزية وسياسية جديدة لدعم شرعنة سلطة دمشق. فقد صلى الحاخام حمرا داخل كنيس إفرنج التاريخي لرئيس سلطة دمشق أحمد الشرع، وأحضر معه وثائق تاريخية هامة تتعلق بالتراث اليهودي السوري.

هذه الزيارة، التي نظمتها مؤسسة التراث اليهودي في سوريا، رافقها دعم علني للشرع من شخصيات اقتصادية وسياسية يهودية سورية في الولايات المتحدة، مطالبة برفع العقوبات الاقتصادية عن دمشق، ما يشير إلى تقاطع مصالح استراتيجية واقتصادية بين الشرع وبعض الفعاليات اليهودية الداعمة، بما فيها إسرائيل، في الوقت الذي تجرى فيه مفاوضات حساسة حول الجنوب السوري وجبل الشيخ.

الشرع وأجندات إسرائيلية محتملة

ويطرح هذا السياق تحليلاً بأن الشرع، من خلال مواقفه الأمنية والدبلوماسية، قد يسعى لخدمة أجندات خارجية محددة لضمان دعم إسرائيلي لسلطته، إذ لا يمكن تفسير زيارة الحاخام والدعوات العلنية لدعمه إلا في إطار توازن مصالح يسمح لسلطة دمشق بإبراز نفسها كشريك محتمل في الحفاظ على أمن إسرائيل حتى وإن تطلب ذلك التخلي عن جبل الشيخ ومصادر المياه التي تزود دمشق بمياه الشرب.

التحديات المستقبلية

ويبقى الاختبار الحقيقي للمفاوضات هو مدى قدرة سلطة دمشق على التوصل إلى اتفاق يحافظ على الأمن المائي والسيادة الوطنية، ويضمن تهدئة التوترات الإقليمية، وسط رصد دولي دقيق لدور الشرع ودفعه لسوريا لعقد اتفاق مع إسرائيل.

مشاركة المقال عبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى