شمال وشرق سوريا

شائعات ومعلومات مضللة .. لا هجمات تركية جديدة ولا تسليم مناطق للحكومة السورية

يستمر الحديث عن نية تركيا شن هجمات على شمال وشرق سوريا، ومعها تكثر الشائعات حول قرب الهجوم، ويتزامن ذلك مع نشر الصفحات الصفراء الموالية للحكومة السورية لمعلومات مضللة تشير إلى تسليم مناطق في شمال وشرق سوريا للحكومة السورية، فما هي حقيقة هذه الشائعات والمعلومات المضللة؟
وبدأت تركيا منذ أكثر من أسبوعين بالتهديد بشن هجمات جديدة على شمال وشرق سوريا مثلما فعلت في رأس العين وتل أبيض عام 2019 وعفرين مطلع عام 2018. ومع تهديدات المسؤولين الأتراك في رأس الهرم (أردوغان) ووزير خارجيته مولود أوغلو ووزير دفاعه خلوصي آكار، بدأت صفحات الموالين لهم من الفصائل السورية بالترويج للهجمات.
ولكن حتى الآن لم تحصل تركيا على الضوء الأخضر من القوى العظمى المتدخلة في الشأن السوري (أميركا وروسيا). فأردوغان فشل في لقاء الرئيس الأميركي أواخر أيلول المنصرم على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، فعاد وتوجه إلى روسيا للقاء الرئيس فلاديمير بوتين في سوتشي، حيث عقد الطرفان اجتماعاً مغلقاً دون حضور أي مسؤول من الطرفين، ولم يفصح الطرفان عن فحوى اللقاء ولم يعقدا مؤتمراً صحفياً مشتركاً، وهو ما أشار إليه المتابعون بأن أردوغان فشل في الوصول إلى ما يريده.
وعاد أردوغان مجدداً للقاء بايدن على هامش قمة العشرين وهو وما كان له، ولكن مسؤولاً أميركياً صرح قبل اللقاء بأن بايدن سيكون صريحاً مع أردوغان ويخبره بأن لا يفتعل الأزمات لأن سياسة أردوغان في سوريا تتعارض تماماً مع السياسية الأميركية وتقوض هدفها الأول في سوريا (محاربة تنظيم الدولة الإسلامية ومنع تمكين إيران). وهنا أيضاً أشار المتابعون إلى أن تركيا لم تحصل على الضوء الأخضر من أميركا لشن هجمات.
بعد هذين اللقاءين، خفت حدة التهديدات التركية ولم يعد أردوغان يطلق التهديدات على غير عادته، بل ركز فقط الإعلام التركي على موضوع الهجمات كي لا يظهر أردوغان بمظهر الضعيف. وهنا لا بد من الإشارة إلى جملة من الأزمات الداخلية والخارجية التي تمنع أردوغان من شن الهجمات على شمال وشرق سوريا.
مؤخراً أرسلت أميركا وروسيا رسائل ميدانية لتركيا، مفادها أن لا يسمح بشن هجمات على المنطقة، فالولايات المتحدة الأميركية أجرت مؤخراً مناورات عسكرية بالذخيرة في منطقة المالكية أقصى شمال وشرق سوريا، وسبقتها روسيا بإجراء مناورات في منبج وكوباني وعين عيسى وتل تمر، وهذه المناطق هي جميعها مناطق تماس مع تركيا والفصائل الموالية لها وتتواجد فيها قوات الحكومة السورية بناء على اتفاق سوتشي في 22 تشرين الأول عام 2019 (بعد الهجمات التركية على رأس العين وتل أبيض).
وسبق هذه المناورات العسكرية، إرسال قوات الحكومة السورية لتعزيزات عسكرية كبيرة على طول الجبهات، وهذا ينذر بأن أي هجوم تركي جديد قد يكون السبب في اندلاع حرب على طول الحدود التي تسيطر عليها مع الفصائل الموالية لها، بدءا من جبل الزاوية مروراً بريف حلب الشمالي والباب وجرابلس وصولاً إلى عين عيسى وتل تمر، وهذه الجبهة كبيرة جداً على تركيا وفصائلها لأنها تمتد على طول مئات الكيلومترات، خصوصاً أن احتمالية مشاركة جميع القوات العسكرية سواء قوات الحكومة السورية والمجموعات الموالية لإيران وروسيا وكذلك قوات سوريا الديمقراطية، في هذه المعارك كبيرة، لأن السياسة التركية تؤثر سلباً على جميع الأطراف والكل يراها قوة احتلال يجب التخلص منها، وهنا تلتقي مصالح الجميع.
يضاف إلى ذلك إلى أن روسيا استقدمت ولأول مرة الطيران الحربي والمروحيات القتالية إلى مطار القامشلي وإلى مطار صرين، وهذا يعني رسالة مباشرة بأن سماء المنطقة لم يعد مفتوحاً أمام الطيران التركي، وفي هذه الحالة فأن الفصائل الموالية لتركيا ترفض المشاركة في أي هجوم غير مدعوم بالطيران التركي، لأنها تدرك بأنها لن تستطيع تحقيق تقدم، ولا أحد يتوجه إلى المعركة لكي يقتل.
وإلى جانب هذا، فهناك أزمات داخلية في تركيا تؤثر على أردوغان وتجعل حكمه على حافة الهاوية، فالمعارضة التركية اتفقت جميعها ضده وتريد إسقاطه وتتراجع شعبية أردوغان كل يوم ضمن المجتمع التركي بسبب السياسات الاقتصادية السيئة وتدهور قيمة العملة التركية التي أصبحت بحدود 9.3 ليرة مقابل الدولار الواحد.
إلى جانب الحديث مؤخراً عن تدهور صحة أردوغان وعدم قدرته على المشاركة في قمة المناخ في غلاسكو، وغيرها من الأزمات الداخلية التي تؤثر سلباً ولا تلقى أذاناً صاغية لدعم أردوغان في تهديداته لشمال وشرق سوريا. وهذا ما يشير إلى أنه ليست هناك هجمات جديدة على شمال وشرق سوريا, وكل ما يتم نشره من قبل بعض الشخصيات في قيادات الفصائل الموالية لتركيا وغرفهم الإعلامية، هي مجرد إشاعات لا حقيقة لها هدفها ترهيب السكان ودفعهم للنزوح من أجل تفريغ المنطقة.
وفي سياق متصل تحاول الحكومة السورية استغلال هذه التهديدات، وتعمل غرفها الخاصة أيضاً على الترويج لمثل هذه التهديدات، وذلك كي تحصل على تنازلات من قوات سوريا الديمقراطية في أي حوار قادم وخصوصاً أن الروس يسعون مؤخراً لعقد حوار بين قوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية والحكومة السورية، حيث من المزمع أن يلتقي وفد من مجلس سوريا الديمقراطية مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو غداً الثلاثاء.
ولا تتوقف الغرف الخاصة بالحكومة السورية للترويج للهجمات التركية على شمال وشرق سوريا فقط، بل تعمل على نشر معلومات مضللة عن تسليم بعض مناطق شمال وشرق سوريا لقوات الحكومة السورية من أجل التشويش على الشعب وثني عزيمتهم وإصرارهم على المقاومة ومن أجل تفكيك المجتمع من الداخل.
وكما رفضت قوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية (مسد) سابقاً تسليم أية منطقة للحكومة السورية دول حل بين الطرفين فأنها لن تسلم أية منطقة لها، مهما بلغ حجم التهديدات والهجمات التي يتعرضون لها. فمجلس سوريا الديمقراطية ومسد يؤكدان أن حماية الحدود السورية هي مهمة الجيش السوري، وبالتالي فأن انتشار الجيش يأتي في إطار تأدية مهامه الوطنية لحماية السيادية السورية التي تعتبر مناطق شمال وشرق سوريا جزءا لا يتجزأ منها.

مشاركة المقال عبر