آراء وتحليلات الرئيسية

خليفة جديد لتنظيم الدولة الإسلامية.. أين ستقتله القوات الأميركية ومتى؟

لا يهم من هو خليفة تنظيم الدولة الإسلامية الجديد، في وقت يلتزم فيه التنظيم بالقوالب التراثية الجاهزة التي تبشر بنهاية الزمان وحروب الانتصار للإسلام، وتعد المهمشين والفقراء والمظلومين بربح دنيوي وغيبي. والأهم من كل ذلك، هو متى سيلقى هذا الخليفة حتفه ويلتحق بمن سبقوه، وكيف ستكون سياسات واشنطن المستقبلية في مواجهة التنظيم الإرهابي للحد من نفوذه وقدرته على استقطاب المقاتلين واللعب على وتر الفقر والتهميش في دول عانت من سطوته في السابق.

ما إن يُقتل له زعيم دموي متوحش إلا ويسارع بتنصيب من هو أكثر منه دموية ووحشية، هذا هو واقع حال تنظيم الدولة الإسلامية وأسلوب تعامله مع مقتل قادته منذ أبومصعب الزرقاوي صاحب الصيت السيئ مرورًا بأبوبكر البغدادي وانتهاءً بتنصيب أبوالحسن الهاشمي القرشي خلفًا لأبوإبراهيم الهاشمي القرشي.

بعد أن أكد تنظيم الدولة مقتل خليفته السابق ومبايعة خليفة جديد يُدعى أبوالحسن الهاشمي القرشي ودعوته في كلمة صوتية لمتحدثه الإعلامي الجديد أبوعمر المهاجر عناصر التنظيم لمبايعة الخليفة الجديد ومواصلة العمليات، بات واضحًا حرص التنظيم على تصدير أكثر قياداته جرأة على سفك الدماء وإظهار أقسى درجات العنف مع من يعتبرهم خصومه وأعداءه ووضعه على رأس قيادته.

إذا كانت السمة الغالبة على قائد التنظيم السابق الذي أعلن الرئيس جو بايدن مقتله مطلع فبراير الماضي بعد غارة شنتها فرقة كومانوز أميركية على مكان اختبائه في ريف إدلب الشمالي أنه عنصر سابق بالجيش العراقي خطط وشارك في قتل عديد من المدنيين والعسكريين، فإن السمة الغالبة في الخليفة الجديد والمُرجح أنه هو حجي زيد (بشار خطاب الصميدعي) رئيس القضاء في التنظيم أنه أكثر وحشية من خلفه وقتل نحو ألفين من منتسبي الأجهزة الأمنية ووزارة العدل العراقية وفق شهادات سابقة لقادة أمنيين عراقيين.

وتعكس طبيعة الاختيار المتكرر لقادة يتسمون بذروة العنف والدموية توخي تنظيم عدم إظهار ارتباك أو خلل في صفوفه فضلًا عن الحرص على ألا يبدو ضعيفًا عقب استهداف قادته ما من شأنه أن يلحق ضررًا بسمعته على المستوى العالمي والإقليمي.

ومن داخل دائرة ضيقة ومحدودة جدًا نظرًا لتقلص قائمة المرشحين للقيادة بعد فقدان الكثير من القيادات التاريخية اختار التنظيم خليفته الجديد وفق الصورة التي يرغب في تكريسها لنفسه في ذهنية الخصوم والحلفاء على حد سواء وهي كونه تنظيم وحشي لن يتورع عن تنفيذ أقسى الهجمات عنفًا ودموية في مواجهة ما يتعرض له من تهديدات وضغوط عسكرية وأمنية.

ويقلل اختيار التنظيم لبشار خطاب الصميدعي أو حجي زيد (أبوالحسن الهاشمي القرشي) خليفة جديدًا من قيمة ما اعتبرته واشنطن انجازًا جرى الاحتفاء به على أعلى المستويات بعد نجاح القوات الخاصة الأميركية في قتل الخليفة السابق، ما يعني أن التنظيم قادر على سد العجز في قيادته.

ووضح حرص التنظيم على أن تبدو عملية تنصيب خليفة جديد سلسة وسريعة ووصف متحدثه الإعلامي بأن العملية جاءت امتثالًا لوصية أبوإبراهيم الهاشمي، ليظهر كما لو أنه أعد جيلًا قياديًا بديلًا قادرًا على تحمل مهام القيادة حتى لا يتعرض وجود وبقاء التنظيم للتهديد.

ميراث معقد

على الرغم من الحرص على بناء شرعية الخليفة الجديد من خلال ربطه ظاهريًا بطرق اختيار خليفة المسلمين في التراث الفقهي منذ الدولة الإسلامية الأولى التي تأسست عام 622، وهذا واضح في التأكيد على انتسابه لقريش، إلا أن قائد التنظيم الجديد يحتاج إلى الكثير من العمل والانجاز على الأرض لتكريس وتثبيت شرعيته المزعومة.

ويُعد ما قام به قائد التنظيم السابق عبدالله قرداش تحديًا للخليفة الجديد أبوالحسن الهاشمي القرشي، فعلى الرغم من قصر مدة قرداش وإعاقته الجسدية وهاجس الجواسيس والانقسامات الداخلية والمخاطر والتضييق الأمني استطاع أن يثبت أن القضاء على خليفة التنظيم الكاريزمي أبوبكر البغدادي لم تحد من أنشطته الإرهابية ولم تقضِ تمامًا على معدلات التأييد.

ولن يكون كافيًا للخليفة الجديد امتلاكه نسبًا ولو مزيفًا يثبت أنه من سلالة قريش أو أنه حافظ جيد للمتون والنصوص التراثية ومن الدائرة الداخلية لقيادة التنظيم، فهو سوف يحتاج لصناعة فارق كبير على الأرض يتجاوز ما صنعه قرداش الذي تمكن من شن هجمات نوعية كبيرة وإثبات حضوره في ساحات بعيدة مثل فروعه في أفريقيا، وأفغانستان حيث نفذ هجوما ضخما في مطار كابول في أغسطس العام الماضي.

وفي ظل تحديات أمنية هائلة استطاع قائد أعرج مطارد هو عبدالله قرداش قيادة تنظيمه الإرهابي لتنفيذ عمليات نوعية كبرى ضد الجيش العراقي كعملية بلدة جلولة التي قُتل خلالها 11 جنديًا، والهجوم الأضخم الذي خطط له وشارك فيه قرداش بنفسه لتحرير معتقلي التنظيم في سياق خطة “هدم الأسوار” باقتحام سجن الصناعة بالحسكة الواقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من أميركا، ما أوقع ما لا يقل عن مئتين من نزلاء السجن وعناصر تنظيم وعشرات من المقاتلين الكورد والمدنيين.

التحدي الأكبر الذي يواجه خليفة تنظيم الجديد مدى امتلاكه القدرة لوضع بصمته الخاصة على نشاط التنظيم ما ينقذه من مصير توصيفه بالقائد العادي أو الضعيف الذي أتى بعد قادة أقوياء اكتسبوا سمعة كاسحة داخل الحالة الجهادية مثل أبوبكر البغدادي وعبدالله قرداش وقبلهما أحمد فضيل الخلايلة (أبو مصعب الزرقاوي).

واشنطن والخليفة الجديد

اعتادت الإدارات الأميركية المتعاقبة بالتنسيق مع أجهزتها الأمنية التركيز على رأس قيادة تنظيم كهدف أولي بمجرد تنصيبه وتكرر هذا مع زعماء تنظيم الثلاثة السابقين الذين جرى تنصيبهم في أعوام 2006 و2010 و2019، وهي السياسة التي من المرجح أن تستمر بعد تنصيب أبوالحسن الهاشمي على الرغم من أنها أثبتت نجاحها المحدود والجزئي حيث لم تهزم التنظيم بشكل دائم.

وتظل جهود مطاردة وملاحقة قادة التنظيم بدون طائل أو أثر فعّال في تحقيق النتائج الكبرى المرجوة المتعلقة بإنهاء وجود التنظيم كليا أو على الأقل إفقاده القدرة على تنفيذ العمليات والتمركز والعثور على ملاذات حاضنة، ما لم تُشفَع بإجراءات شاملة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري لتحقيق الاستقرار المجتمعي الذي يحرم تنظيم من معاودة الانتعاش.

وفيمَا اعتادت الولايات المتحدة الاكتفاء بتحقيق ارتباك لحظي في هيكل قيادة التنظيم عبر التركيز في كل مرة على استهداف رأس القيادة فيه، وهو الذي يحقق أهداف سياسية وانتخابية داخلية في واشنطن، سهل على التنظيم في كل مرة، والذي خرج من إطاره الضيق داخل المنطقة العربية وصار بمثابة تنظيم عالمي، نقل الشرعية القيادية من زعيم لآخر مع حماية القيادة الجديدة لأطول فترة ممكنة وتجهيز قيادة بديلة تؤمن عودته سريعًا للمشهد في حال تمت تصفية قيادته.

ومن المتوقع أن يبني أبوالحسن الهاشمي على ما أرساه أبوإبراهيم الهاشمي وكأن التنظيم لم يفقد شيئًا متلاعبًا بالأسماء والألقاب، فإذا كنتم قتلتم أبا إبراهيم جئناكم بأبي الحسن، أما المعالجة الشاملة والمعتبرة لكارثة التنظيم المستمرة فتتعلق بإنجاز سياسات تنهي المظالم السنية وتلبي مطالب عائلات وشباب السنة المشروعة وتحقق المصالحة الوطنية وتعيد إعمار سوريا والعراق على أسس المواطنة والعدالة وسيادة القانون.

ومن الآن، لن يفيد التركيز على مراقبة وملاحقة خليفة التنظيم الجديد الذي لم تُنشر صور له ولم تُعرف بعد ملامح وجهه ما لم تعالج أسباب نشأة التنظيم من انهيار المؤسسات في قلب العالم العربي والإسلامي وشيوع العنف الطائفي والظواهر الميليشياوية، فضلًا عن التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية في شؤون دول المنطقة.

تدفع مقدرة التنظيم على الاستمرار والبقاء رغم ضعفه وهشاشته وعدم سيطرته على مساحات كبيرة وتشتت عناصره إلى ضرورة الوقوف على ماهية التنظيم وطبيعته الحالية التي تمنحه تلك القدرة على مواصلة شن الهجمات وهو يعاني من نزيف في هيكله القيادي ويقتصر وجوده على الجبال والصحاري والمخابئ الريفية.

وبات مركز القائد داخل التنظيم هو أقوى وأضعف مكوناته في الوقت ذاته؛ حيث صار خليفة بلا خلافة وتكرر استهدافه بالقتل بعد إحراز نجاحات متفاوتة بحسب التحديات التي يواجهها على اختلاف المراحل منذ خسارة خلافته في العراق وسوريا في عامي 2017 و2019 على التوالي.

ولم تكن سمات القيادة هي العامل الأقوى في استمرارية التنظيم ليس فقط في صحاري وجبال سوريا والعراق بل أيضًا في أفغانستان وليبيا وأجزاء عديدة من أفريقيا مع إبقاء ما يقدر بعشرة آلاف عنصر مقاتل نشط ومؤدلج على قيد الولاء والمبايعة، وجميعهم على استعداد للتضحية بأنفسهم من أجل قضية التنظيم.

ويكمن السر في تطوير التنظيم لنفسه باستمرار دون الاعتماد بشكل كلي على قيادته المركزية؛ حيث صار في فروعه المستقلة البعيدة وحتى في معقله الأول بسوريا والعراق بمثابة تشكيلات بيروقراطية مستقلة ومتطورة أكسبها مجندوها الأجانب العديد من المهارات والمعارف مكنتها من الاستفادة من كل نشاط محيط بها بداية من القبائل والمكونات المحلية مرورًا بعصابات التهريب والجريمة المنظمة وانتهاءً بالسوق السوداء والاتجار في الممنوعات وغسيل الأموال.

وجدد التنظيم صفوفه بعناصر أصغر سنًا من النازحين وذوي المظالم ومن المنتسبين لعائلات تربطها علاقات بالتنظيم، حيث مازال عشرات الآلاف من السنة النازحين داخليًا يُعاملون بتهميش وازدراء، وهو ما مكنه من الحفاظ على قدراته العملياتية دون الاعتماد بشكل كبير على القيادة حيث تمتع الجيل الجديد في مختلف الأفرع بالاستقلالية العملياتية.

وأيًا كان اسم قائد تنظيم الدولة الإسلامية الجديد، أكان سوريًا أو عراقيًا أو تركمانيًا، أو من الجيل الجديد أو من جيل المؤسسين، فإن التنظيم بمن حضر من قادته معتمدًا على قوالب تراثية متجزأة وجاهزة ورواية مهدوية تبشر بقرب نهاية العالم وبخوض حروب آخر الزمان وشبكة مصالح شريرة تحقق الربح السريع لعاطلين ومهمشين يعانون من القهر والظلم الطائفي.

وتنصيب أبوالحسن الهاشمي بعد مقتل أبوإبراهيم الهاشمي على الرغم من دويه وصداه الإعلامي أقل أحداث تنظيم أهمية، حيث وردت للأذهان فور سماع نبأ تسمية خليفة جديد تساؤلات بشأن سيناريوهات استهدافه ومتى وأين ستقتله وحدة كوماندوز أميركية، بينما الأكثر أهمية هو تطوير سياسات ذكية لتجفيف منابع التنظيم والحد من قدرته على الاستقطاب من داخل صفوف جيل شغوف بمحنة العرب السنة بالمنطقة.

هشام النجاركاتب مصري- صحيفة العرب

مشاركة المقال عبر