سوريا

ما هي تبعات مشاركة الأسد في اجتماع الجامعة العربية بعد انقطاع لأكثر من 12 عامًا…؟!

بعد حضور تأجل عدة مرات خلال الأعوام الثلاثة الماضية نتيجة رفض بعض الدول العربية. شارك الرئيس السوري بشار الأسد، اليوم الجمعة 19 مايو / أيار 2023 في القمة العربية بدورتها الـ 32 التي تنعقد في مدينة جدة السعودية، وذلك للمرة الأولى منذ العام 2010 تاريخ آخر قمة حضرها الأسد في مدينة سرت الليببة، وذلك بدعوة من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده محمد بن سلمان، بعد جهود دبلوماسية أفضت إلى إعادة دمشق إلى محيطها العربي، وبعد عزلة استمرّت 12 عامًا على خلفية النزاع المدمّر في سوريا.

محادثات سرّية بين واشنطن ودمشق عنوانها «قسد»

انخرطت الولايات المتحدة الأمريكية في محادثات سرية ومباشرة مع الحكومة السورية في العاصمة العمانية مسقط، حيث ضمت المحادثات شخصيات أمنية من البلدين وممثلين عن وزارات الخارجية.

ووفق معلومات خاصة حصلت عليها «فوكس برس» من مصدر مقرّب من مسؤول أمريكي حضر الاجتماع، أفاد أن الوفد الأمريكي كان بقيادة منسق البيت الأبيض للشؤون الأمنية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك.

وأضاف المصدر الأمريكي لموقع «فوكس برس» أن «ماكغورك» اشترط خلال المحادثات السرية مع مسؤولي الحكومة السورية على أن أي حل سياسي في سوريا يجب ضمان دور قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية فيه كونها تُسيطر على مساحات واسعة من الأراضي في شمال وشرقي سوريا وتمتلك برنامجًا سياسيًا واضحًا سيساهم في وضع الخطوات الأولى لحلحلة الأزمة السورية وإنهاء أكبر مأسآة في الألفية الثالثة.

يتزامن الشرط الأمريكي حول ضمان وجود «قسد» في أي حل سياسي مع الوساطة التي تقودها الإمارات العربية المتحدة بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا للوصول إلى تسوية سياسية بين الجانبين.

وتوجّه قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، في أواخر مارس / آذار وأوائل أبريل / نيسان الماضيين إلى الإمارات العربية المتحدة والتقى بمسؤولين إماراتيين، بينهم مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان، وذلك برفقة رئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني بافل طالباني.

ووفقًا للمعلومات فإن الإمارات تسعى لتقريب وجهات النظر بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية لحل المشاكل والاتفاق على صيغة الحل للأزمة السورية.

تأتي هذه الجهود بعد فقدان الائتلاف السوري شرعيته من قبل قبل الدول العربية، حيث بدأت الدول العربية بالتوجه نحو الإدارة الذاتية واعتبارها مفتاحًا للحل يمكن الاعتماد عليها للوصول إلى تسوية سياسية تُنهي الأزمة السورية التي امتدت لأكثر من عقد.

الأسد يلتقي بأمير قطر… مصالح مشتركة

بعد وصول الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى مدينة جدة السعودية، أمس الخميس، والذي يترأس وفد بلاده في القمة العربية لأول مرة منذ أكثر من 12عامًا، التقى «الأسد» مع أمير قطر حمد بن تميم في جلسة سرية.

وكشف مصدر خاص لموقع «فوكس برس» حضر الاجتماع أنَّ الرئيس السوري، بشار الأسد، قدّم عرضًا على أمير قطر حمد بن تميم يتمثل في تنفيذ مشاريع واستثمارات في العاصمة السورية دمشق ومدينة حمص لقاء قطع قطر الدعم عن الائتلاف السوري.

لقاء الأسد مع حمد بن تميم، جاء بعد سحب قطر معارضتها للمبادرة التي قادتها السعودية لإعادة سوريا إلى صفوف الجامعة العربية، وهو ما شكّل استياءًا للمعارضة السورية المتواجدة في الدوحة والتي تعتبرها قطر السفارة الرسمية لسوريا لديها، ولكن بات جليًا أن التوجهات القطرية بشأن سوريا قد تغيّرت في مؤشر واضح في التراجع عن سياستها الخارجية الإقليمية، خاصةً مع إمكانية عقد صفقة بين الأسد وأمير قطر فيما يخص سحب الدعم من الائتلاف مقابل استثمارات في دمشق وحمص.

إنهاء دور المعارضة المرتهنة لتركيا

الحاضنة العربية التي كانت تحتضن الائتلاف السوري وفصائل الجيش الوطني لم تعد موجودة الآن، بعد أن قرر وزراء خارجية العرب في الـ 7 من أيار الجاري إعادة الحكومة السورية إلى مقعدها في الجامعة العربية وإعلان السعودية أكبر ممول عربي، استئناف العلاقات الدبلوماسية مع دمشق والتي توّجت مؤخرًا بدعوة السعودية للأسد للمشاركة في القمة العربية اليوم لتسقط بذلك عن الائتلاف والجيش الوطني السوري صفة «المعارضة»، وهو بذلك يعتبر المسمار ما قبل الأخير في نعش الائتلاف السوري المتواجد في تركيا، التي تعيش أكثر أيامها توترًا التي ارتهنت بشكل متقطع النظير للقرار التركي وبدأت فيما بعد بمهاجمة الدول العربية التي ساعدتها.

لسنوات، اعتقد الائتلاف السوري المعارض والجيش الوطني أن تركيا تتدخل في الأزمة السورية نصرة للشعب السوري ومطالبه في الحرية، كانت قادة الفصائل ومظلتهم من السياسيين في الائتلاف السوري، مبتدئين في السياسة والعلاقات والمصالح الدولية المتشابكة، لم يكونوا يدركون أن النظام التركي بقيادة أردوغان المتوجه نحو الدكتاتورية لن يستطيع أن يجلب لهم الحرية.

وضع الائتلاف السوري كل بيضهم في سلة النظام التركي، وانقطعوا عن محيطهم العربي الذي لم يبخل عليهم بالأموال والسلاح والمساعدات الإنسانية في بداية الثورة السورية، كانوا يعتقدون أن تركيا هي التي تدعمهم عبر حدودها، لم يكونوا يدركون أن المساعدات القادمة عبر تركيا آتية من الدول العربية، وذلك لحسابات خاصة بتلك الدول، هكذا خسروا الدعم العربي ومعه خسروا أنفسهم وباتوا يعرفون كمرتزقة لدى تركيا يقاتلون بالمال من أجلها في أي مكان تريد.

هؤلاء اعتقدوا أنهم بتركهم لجبهات القتال ضد الحكومة السورية بناء على أوامر تركية لينتهي اليوم مع مشاركة الأسد في القمة العربية أي دور للمعارضة السورية التابعة لتركيا وفقدانها آخر ورقة كانت تعتمد عليها ألا وهي قطر.

ونتيجةً لما ذُكر، أدرك الائتلاف السوري أنها خسرت الدعم العربي نتيجة لارتهانها لتركيا وبالتالي استخدام الأخيرة لها لتحقيق مصالحها على حسابهم التي كانت من أولى الدول التي تقوم بالتطبيع مع الحكومة السورية، حيث أعلنت تركيا صراحة بدء تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية منذ أيار العام المنصرم، رغم أن العلاقات الأمنية بينهما لم تنقطع، وبدأت فعلاً اللقاءات بين وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات ومؤخرًا على مستوى نواب وزراء الخارجية.

النظام التركي وأردوغان لم يكن يهمهم الشعب السوري ولن يكون، فقط استخدموا السوريين لمصالحهم، والآن انتهت المصلحة التركية بهم، وهي مستعدة للتخلي عنهم للحكومة السورية مقابل تطبيع العلاقات، هي المعروفة بأنها تخلت عن حركة حماس للتطبيع مع إسرائيل وتخلت عن الإخوان المسلمين مقابل التطبيع مع مصر، وكذلك فعلت بحركة النهضة التونسية بعد أن رأت أن لا مكان لها في مستقبل تونس، وها هي تفعل الشيء ذاته مع الائتلاف السوري وفصائل الجيش الوطني.

خسرت فصائل الجيش الوطني والائتلاف السوري الحاضنة العربية، وتركيا مقبلة على الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بعد فشل أردوغان في كسبها من الجولة الأولى، فإن فاز أردوغان فأنه سيتابع طريق التطبيع مع دمشق وسيتخلى عن الائتلاف وفصائله، خاصةً بعد البدء بالعمل على خارطة الطريق لمسار التطبيع بين الحكومة السورية وتركيا والتي سيحصل بموجبها تسليم المناطق الخاضعة للسيطرة التركية في الشمال السوري إلى الحكومة السورية، وفيما وإن فازت المعارضة التركية فهي بالتأكيد ستتخلى عن هذه الفصائل في ظل اختلاف التوجهات الدينية بين العلمانية والإسلام السياسي.

الائتلاف يبحث عن طوق النجاة

في ضوء ما ذُكر بدأ الائتلاف السوري بجولات خارجية بحثًا عن دعم بديل، حيث كثّف الائتلاف مؤخرًا تلك الجولات وبدأ يعقد اللقاءات مع مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى المبعوث الأمريكي الخاص للملف السوري إيثان غولدريتش، ومدير مكتب الشرق الأوسط في الاتحاد الأوروبي أليسيو كابلاني ومبعوث الاتحاد الأوروبي إلى سورية دان ستوينيسكو، بالإضافة إلى المبعوث البلجيكي والهولندي والفرنسي الخاص بسوريا ومسؤولين آخرين.

تأتي تحركات الائتلاف وسط مخاوف على مصيره وبقائه وحيدًا في الساحة، إذ كان يتقوى بالدول العربية على أمل أن يتوجه إلى حضنها إذا سلمتهم تركيا للحكومة السورية، ولكن الائتلاف تلقى الصدمة بأن العرب أعادوا الحكومة السورية إلى الحضن العربي بعد أن رهنت نفسها بشكل كامل لتركيا وبات أمامه طريقان فقط؛ الأول هو العودة إلى حضن الحكومة السورية، والثاني هو الاستمرار مع تركيا التي ضحت بهم سلفًا من أجل مصالحها والتي ستخيرهم في نهاية المحطة بين العودة إلى حضن دمشق أو التوجه نحو الدول الأوروبية وتقديم طلب لجوء فيها كأشخاص عاديين وليس بصفة سياسيين وحينها ستقرر تلك الدول الأوروبية فيما إذا كان بلدهم سوريا أمناً لترفض طلبهم وتسفرهم إليه، أو أن تقبل بهم كلاجئين وتضعهم تحت اختبار القبول في مخيمات اللجوء.

اللامركزية شعار الإدارة الذاتية والحل الأمثل لإنهاء الأزمة السورية

يعتبر مشروع الادارة الذاتية النواة الأساسية لحل الأزمة السورية والسبيل الوحيد لدمقرطتتها بمشاركة مكونات الشعب السوري ، خاصةً بعد أن أثبتت جميع المنصات والمؤتمرات مثل جنيف وأستانة وسوتشي وغيرها بأنها كانت سببًا مُعيقًا للحل لعدم إشراك قوى ومكونات سورية فاعلة في اجتماعاتها الأمر الذي أدى لإطالة أمد الصراع والسير بسوريا نحو المجهول.

وترى الإدراة الذاتية أن مشروعها قائم على مبادئ لحل الأزمة السورية ولا يوجد في دستورها أية بنود تدعو لتقسيم سوريا والانفصال عنها، لذا يجب الاعتراف بالقوميات الموجودة في الدستور السوري من خلال  الإدارة الديمقراطية اللامركزية تسود فيها العدالة والمساواة بين كافة المكونات، لنهوض بالواقع السوري مجددًا عبر تأسيس الجمهورية السورية بكافة المكونات والحفاظ على سوريا أرضًا وشعبًا.

وتم الإعلان رسميًا عن الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم الجزيرة في 21 كانون الثاني عام 2014، تبعها الإعلان عن الإدارة الذاتية في مقاطعتي عفرين وكوباني، ومع تحرير مدينة الرقة من تنظيم داعش في تشرين الأول لعام 2017، حيث أُعيد هيكلة الإدارة الذاتية الديمقراطية لتصبح الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي أعلن عنها في عام 2018.

مشاركة المقال عبر