الأخبار تركيا

حالة شتات في صفوف الفصائل الموالية لتركيا عقب تصريحات أردوغان بأنه لن يقطع العلاقات مع إسرائيل

منذ أن بدأت في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الفائت، عملية “طوفان الأقصى” التي أعلنتها حركة حماس ضد إسرائيل ورد الأخيرة بعملية “السيوف الحديدية”، لم تهدأ تصريحات المسؤولين الأتراك وفي مقدمتهم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حيث قال أن «إسرائيل دولة محتلة وإن هاجم أحد أجدادي تخنقه يداي»، كما أشار إلى أن «تركيا لن تظل صامتة تجاه التجاوزات والخلل العقلي للاحتلال الإسرائيلي، وستتحرك تركيا سياسياً ودبلوماسياً، وعسكرياً إن تطلب الأمر».

هذه التصريحات أثّرت على نسبة ليست بقليلة في الشارع العربي وخاصةً في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في سوريا وكذلك فصائل الجيش الوطني السوري الذين خُدعوا مرةً أخرى، حيث طالبت فصائل سورية عربية سنية من الحكومة التركية تأمين نقلهم إلى قطاع غزة أو أي نقطة متاخمة للحدود الإسرائيلية من أجل القتال إلى جانب حركة حماس ضد إسرائيل، ولكن تركيا رفضت طلبها وذلك بسبب العلاقات الأمنية والاقتصادية الوثيقة بين أنقرة وتل أبيب.

واشترطت تركيا عليهم أن يتم إرسالهم إلى جبهات لبنان أو القنيطرة وأن تسليمهم إلى إيران من أجل تولي المهمة، ولكن الفصائل رفضت خشية أن يتم تصفية أفرادها، وهو ما تريده أنقرة من أجل التخلص منهم، وذلك لتسهيل عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق.

والسبت، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مناصرته مجدداً لإسرائيل ليتضح حقيقة تصريحاته المناوئة أنها كانت في إطار السياسة المتفق عليها مع إسرائيل حيث قال أن «تركيا لن تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، موضحاً “قطع العلاقات بشكل تامّ غير ممكن، خصوصاً في الدبلوماسية الدولية».

وبُعيد هذا التصريح ظهرت في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في سوريا حالة من الشتات الكبير بين صفوف فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لأنقرة إذ أوضحت لديهم الرؤية بشكل كامل أنه من المستحيل أن تقطع تركيا وتُضحي بعلاقاتها الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية والسياسية مع إسرائيل الممتدة إلى سنوات وأنهم كانوا قاب قوسين أو أدنى من عملية تصفية كبيرة كانت قد أعدتها تركيا لهم عبر تحديد المناطق التي كانت سترسلهم إليها في جبهات لبنان أو القنيطرة.

في الحقيقة أثبت تصريح أردوغان بأنه لن يقطع علاقاته مع إسرائيل فشل الرهان التي كانت تعتمد عليها بعض الشعوب العربية بما فيها فصائل الجيش الوطني السوري، وأكدت أن تصريحاته سواءً السابقة أو تلك التي خرجت مع بدء الحرب بين حماس وإسرائيل مؤخراً لا تخرج في إطار التأثير على عواطف العرب والمسلمين كونه يُقدّم نفسه كزعيم للعالم الإسلامي منذ أن اعتلى هرم السلطة عام 2002 حيث تقلّد حينها منصب رئيس الوزراء التركي بدعمٍ أمريكي – إسرائيلي عبر انتهاج النهج الجديد للوصول إلى العمق العربي تحت مسمى الإسلام المعتدل، وذلك من بوابة إعلانه مواقف تمثيلية تم تلقينه مسبقاً من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

ففي الوقت الذي يقف فيه أردوغان أمام وسائل الإعلام ويذرف دموع التماسيح على الضحايا الفلسطينيين في قطاع غزة، فهو لا يتوقف عن إمداد إسرائيل بالخضار والفواكة وكذلك مصادر الطاقة التي تستخدمها إسرائيل في قتل الفلسطينيين.

وأرسلت تركيا في الـ17 تشرين الأول الماضي سفينة ضخمة رست في ميناء حيفا على متنها 4500 طن من الخضار والفواكه، 80% منها طماطم، بحسب ما أعلنت عنه قناة كان الإسرائيلية.

وأوضحت القناة أن السفينة التركية جاءت لسد حاجة “إسرائيل” بسبب الأضرار التي لحقت بالعديد من المناطق الزراعية خلال الحرب مع غزة.

كما كشف تقريرٌ لوكالة بلومبرغ الأمريكية أن تركيا، نقلت مليونَ برميلٍ من النفط الأذربيجاني إلى ميناء إيلات الإسرائيلي من ميناء جيهان التركي، عبر ناقلةٍ تحمل اسم “سيفوليت” يوم 21 تشرين الأول الجاري.

ولتمويه الشحنة، فأن تركيا حددت وجهة الناقلة إلى ميناء العقبة الأردني ولكنها توجهت إلى الميناء الإسرائيلي حيث اشترته شركة باز للنفط التي تعد أكبر شركة وقود إسرائيلية.

أردوغان يستثمر في كل شيء وهذه ليست المرة الأولى التي يستثمر فيها بالقضية الفلسطينية عندما يكون هناك تصعيد من قبل جهة من الجهات في إسرائيل أو فلسطين، فأردوغان يعلم أن العرب عاطفيون في مسألة فلسطين والمسجد الأقصى، لهذا يعتمد هذه السياسة في كسبهه، ومثالاً على ذلك النفخ الإعلامي إبان أحداث سفينة مرمرة وكذلك مؤتمر دافوس الاقتصادي، حيث يعتبر أردوغان العرب والفلسطينيين كقطعة شطرنج في لعبة شد وجذب بينه وبين الغرب وإسرائيل، بالإضافة إلى تحقيق أهداف سياسية في الداخل التركي.

فالدعم الإسرائيلي – الأمريكي لأردوغان في تقلّده منصب رئيس الوزراء التركي واعتماده نهجاً جديداً في الوصول إلى العمق العربي تحت مسمى الإسلام المعتدل، وذلك من بوابة إعلانه مواقف تمثيلية تم تلقينه مسبقاً كالتي حصلت في مؤتمر دافوس الاقتصادي في كانون الثاني / 2009 وقيام أردوغان بترك المؤتمر أثناء تواجد الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز وقتها، في حين بقي الأمين العام لجامعة الدول العربية حينها عمرو موسى ما جعل موقف أردوغان أمام الشعوب العربية والإسلامية موقفاً بطولياً كبيراً رفض حديث شمعون بيريز حول تبريره لقصف غزة، في حين أن ممثل الدول العربية طأطأ رأسه لإسرائيل وقالوا أنه لم يصل لقوة أردوغان باتخاذ موقف بطولي كهذه! مع بدأ القنوات العربية حينها باستضافة المحليين السياسيين في برامجها وبدءهم بحملة كبيرة تمدح أردوغان ما ألقى بصداه على الشارع العربي الذين بدؤا بشتم الحكام العرب جميعهم وأنهم لم يصلوا لقوة اردوغان وتحديه لإسرائيل فاعتبروه حينها حامي الإسلام والمسلمين وسلطاناً لهم والمدافع الوحيد عن الأمة الإسلامية جمعاء. إلا ان ذلك كانت مسرحية هزيلة كتبت بأيادي اسرائيلية وإخراج أمريكي وأخذ فيها أردوغان دور البطولة فيما أسند دور الكومبارس إلى عمرو موسى.

ليس هذا فحسب، فأردوغان الذي قال في شباط 2017 من العاصمة البحرينية المنامة، إن استمرار الاستيطان الإسرائيلي في أراضي الضفة الغربية والقدس المحتلتين هو «استفزاز مطلق»، والذي تبعه ذلك عدد من التصريحات لمسؤولين ومتحدثين رسميين أتراك حول عدم شرعية الاستيطان، وانتقاد السياسات الإسرائيلية، ودعم مطالب الفلسطينيين في هذا الملف.

لكن هذا الحديث، مضموناً وشكلاً، يختلف كلياً عن الواقع الذي يظهره التقرير السنوي لـ«دائرة الإحصاء» التركية، بعدما بيّن التقرير أن تركيا تحتل المرتبة الأولى في الدول التي تزود إسرائيل بالإسمنت والحديد والصلب، موضحاً أن أنقرة صدّرت ما يزيد على مليون طن من الإسمنت إلى تل أبيب خلال العام 2017.

إذ تساهم مواد البناء التركية بنسبة كبيرة في البناء الإسرائيلي المتواصل والمتسارع في مستوطنات الضفة، في حقيقة إضافية على طبيعة العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، إذ ليس هناك أدنى حد من التوافق بين ما يصرح به المسؤولون الأتراك بأعلى مستوياتهم، وبين الواقع الاستيطاني الذي يساهمون في ترسيخه.

ورغم ادعاءات أردوغان قبل سنوات بأنه حذّر نظيره الأمريكي، من مغبة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتهديده بقطع العلاقات مع إسرائيل، والذي علق على قرار ترامب المتهور، بنقل سفارة واشنطن إلى القدس، قائلا:”اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالقدس عاصمة لإسرائيل، يضع المنطقة داخل حلقة من نار”، إلا تصريحات السفير التركي أكدت عدم ممانعة بلاده نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فى مقابلة مع i24NEWS، فى يناير 2017، إضافة إلى أن شركة ليماك التركية والتى فازت بعقود تصميم وبناء السفارة الأمريكية فى القدس بمبلغ 21 مليون دولار هى شركة مملوكة لرجل أعمال تركي مقرب من أردوغان يدعى حمدى آكين، ليظهر مجدداً الوجه الخفي للنظام التركي، ومحطة كبرى فى محطات الخيانة التركية للقضية الفلسطينية.

الأمر الآخر فإن الطيارين الإسرائيليين الذين يقصفون غزة اليوم تم تدريبهم جميعاً في مدينة قونيا التركية، إذ أقامت تركيا تعاوناً مع إسرائيل من أجل الدعم الاستخباراتي ونقل التكنولوجيا العسكرية، وسبق وأن أعرب المسؤولين الأتراك عن اهتمامهم باستمرار العلاقات الأمنية الوثيقة بين تركيا وإسرائيل.

مشاركة المقال عبر