الأخبار العالم والشرق الاوسط سوريا

خـ ـلافات موسكو وطهران… من دمشق إلى باكو ويريفان

يوماً بعد يوم، يتكشف حجم الخـ ـلافات بين إيران وروسيا رغم سعي الطرفين لعدم إظهارها، ويزداد حدة الخـ ـلاف حول العديد من الملفات وفي أكثر من منطقة، ولكنها تبدو واضحة وجلية في سوريا من خلال تحركات وتصريحات الطرفين.

وبدأت هذه الخلافات تظهر للسطح ويتردد صداها منذ سيطرة روسيا على الجنوب السوري عام 2018 وسعيها لإبعاد إيران عن الحدود الإسرائيلية، وبدت هذه الخلافات أكثر وضوحاً مطلع عام 2023، عندما لم يتوجه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لاستقبال نظيره الإيراني أمير عبد اللهيان في مطار موسكو كما جرت العادة. هذه الزيارة شهدت خلافات حادة حول جملة ملفات رئيسية.

وبرز إلى السطح خلافات الطرفين في سوريا، حيث تواصل موسكو السماح لإسرائيل بضرب مواقع وشحنات إيرانية، من خلال عدم ربط روسيا أنظمة الدفاع المشتركة الإيرانية والروسية في سورية، وهو ما يسمح عملياً لتل أبيب بمواصلة غاراتها دون أي اعتراض من قبل المنظومات الدفاعية الروسية التي تتلقى معلومات إسرائيلية مسبقة بالضربات، وتعترض إيران على الموافقة الروسية لاستهداف قادتها، حيث زادت الاستهدافات الإسرائيلية للضباط الإيرانيين في سوريا منذ تشرين الأول الفائت.

وفي كانون الثاني من العام الجاري، تساءلت صحيفة “جمهوري إسلامي” الإيرانية، عقب اغتيال عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني في استهداف منطقة المزة فيلات في دمشق، قائلة: هل عجزت منظومة الدفاع الروسية “أس 400” عن مواجهة الهجمات الإسرائيلية؟

وروسيا بحسب المسؤولين الإيرانيين لم تكن يوماً إلى جانب إيران فيما يتعلق بإسرائيل. هذه التصريحات قالها حسين جابري أنصاري، النائب السابق لوزير الخارجية الإيراني في شهر مارس/ آذار  من عام 2019 حيث أكد أن هناك اختلافاً في وجهات النظر بين طهران وموسكو فيما يخص إسرائيل.

وأضاف أنصاري “إسرائيل أدركت الآن تبعات الربط بين إيران وسوريا ولبنان، وتسعى إلى تحميل خططها للاعبين الآخرين في سوريا ومن جملتهم روسيا. الكيان الإسرائيلي يستغل العلاقات التاريخية بينه وبين روسيا لتحقيق أهدافه”.

روسيا بدورها لم تنف أنها تعارض الأجندة الإيرانية تجاه إسرائيل من الأراضي السورية وهو ما دفع نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريباكوف للقول إن إيران ليست حليفة لموسكو وأن بلاده لا تستخف بأي طريقة بأهمية التدابير التي من شأنها ضمان أمن قوي لإسرائيل، وهي من أهم أولويات روسيا.

ولا ينحصر خلاف الطرفين عند هذا، بل يتجلى التزاحم بينهما على مستوى التعيينات داخل الجيش والقوى الأمنية لدى الحكومة السورية، وفي التسابق على قطع الطرقات أمام الطرف المقابل لتثبيت النفوذ داخل مؤسسات الحكومة بشكل خاص، بل وحتى إلى قيام إيران بما يشبه تهريب الأسد إليها بعيداً عن أي تسريب مسبق في زيارة رسمية كي تنجح بالتقاط صور له مع القادة الإيرانيين في طهران دون أن يؤدي تدخل روسي إلى إفشالها.

ويقول المراقبون أن رأس جبل جليد الخلاف يتمحور حالياً حول نقطتين. الأولى، مشروع سكة الحديد الواصل بين إيران وسوريا عبر العراق والذي يمر في محافظة دير الزور والثانية، استلام إيران لمرفأ اللاذقية الذي سيكون المحطة الأخيرة في مسار السكة الحديدية.

وكان مدير شركة خطوط سكك الحديد الإيرانية سعيد رسولي قد كشف سابقاً خلال لقاء مع نظيريه السوري والعراقي أن خط السكك الحديدية سينطلق من ميناء الإمام الخميني في إيران مروراً بشلمجة على الحدود العراقية ومدينة البصرة العراقية ليصل إلى ميناء اللاذقية.

الوجود الإيراني على البحر المتوسط مصدر قلق بالنسبة لروسيا التي تريد أن تكون صاحبة القوة الرئيسية على الساحل الشرقي للمتوسط وهو ما يضمنه لها مرفأ طرطوس الذي استأجرته لمدة 49 عاماً.

ورغم أن إيران حصلت على حق التشغيل التجاري حصراً لمرفأ اللاذقية أواخر العام 2018 إلا أن مجرد وجود إيران هناك يشكل قلقاً لروسيا التي تملك قاعدة عسكرية قريبة من المرفأ في حميميم وهو ما قد يعرّض قواتها للخطر في حال حدوث أي توتر كبير بين إيران وإسرائيل أو بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، لذا روسيا كانت تفضل أن يكون مرفأ اللاذقية مع الصين بدلاً من إيران.

والنقطة الأخرى التي هي أيضاً من مسببات التوتر، مرتبطة بالحضور العسكري العضوي الإيراني من خلال فصائل سورية دربتها طهران وهي تعوّل أن تكرر بها تجربة حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق.

وبحسب المعلومات فإن عدد هذه القوات يزيد عن 20 ألفاً وجرى تدريبها لتندمج لاحقاً في قوات الحكومة السورية على غرار الحشد الشعبي، وهذا ما يدق بالنسبة لروسيا ناقوس الخطر لأنه سيعني أن بقاء إيران في سوريا سيكون بلا سقف زمني حتى ولو سحبت طهران ضباطها وحزب الله وكل الفصائل العراقية والباكستانية والأفغانية التي جاءت بها إلى البلاد في أوقات سابقة.

وهذا ما أكده المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، في أيار عام 2018، عندما قال بأنه لا أحد يُمكنه إجبار إيران على الخروج من سوريا، في رد على تصريحات المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا “ألكسندر لافرينتييف” بشأن ضرورة انسحاب القوات الأجنبية بما فيها الإيرانية من سوريا.

ويمتد الخلاف بين الطرفين في سوريا، ليصل إلى موضوع الاقتصاد، حيث يتصارع الطرفان في السيطرة على الخيرات السورية، إذ تضع روسيا نصب أعينها النفط والغاز في حوض البحر المتوسط، والسعي للاستحواذ على مخزون الفوسفات الطبيعي، وبالمقابل تسعى إيران للسيطرة عليها كونها تسعى إلى استكمال خط الغاز باتجاه أوروبا عبر البحر المتوسط.

ولا تنحصر خلافات طهران وموسكو حول سوريا فقط، بل تصل إلى الملف النووي الإيراني، حيث ترغب إيران بأن تتولى الصين دور موسكو في تنسيق المحادثات مع الغرب حول هذا الملف، وبدا هذا التوجه جلياً عندما استعادت إيران علاقاتها مع السعودية برعاية صينية.

والخلاف الآخر، المتعلق بمنطقة جنوب القوقاز، حيث ترفض موسكو توسيع قوات حفظ السلام الروسية التي تفصل نقاطاً حساسة بين أذربيجان وأرمينيا، لتضم قوات إيرانية، وهو ما تطالب به إيران منذ المواجهة الأخيرة بين باكو ويرفان، التي شهدت انخراطاً عسكرياً روسياً وتركياً فيما ظلت طهران الطرف الإقليمي الوحيد خارج الميدان، رغم أنها الأكثر تأثراً به.

وتشتكي إيران من أن قوات حفظ السلام الروسية لا تحرك ساكناً رغم أن القوات الأذربيجانية توسع مناطق سيطرتها وتتجه للسيطرة على معبر زنكزور البري الذي يعتبر معبراً استراتيجياً بالنسبة إلى إيران. وقال إن عبداللهيان أبلغ الجانب الروسي أن قيادة القوات المسلحة الإيرانية توصي القيادة السياسية بضرورة تدخل إيران عسكرياً قبل فوات الأوان، وأنه في حال استمر الموقف الروسي في حالة اللامبالاة، فإن القيادة السياسية ستعمل بتوصيات العسكر. وكشف أن لافروف ألمح إلى ضرورة انضمام إيران إلى معاهدة الأمن الجماعي وهي عبارة عن تحالف عسكري تقوده روسيا، وهو ما سيمكنها من نشر جنود في أرمينيا، لأن الحدود الأرمنية محمية بموجب هذه المعاهدة، ولكن الدستور الإيراني يحظر دخول إيران في أي حلف عسكري.

وتصاعد التوتر بين طهران وأذربيجان بعد كلام مسؤول إسرائيلي خلال زيارة وزير الخارجية الأذربيجاني إلى تل أبيب لافتتاح سفارة بلاده بأنه تم الاتفاق بين البلدين على تشكيل جبهة موحدة ضد إيران.

مشاركة المقال عبر