آراء وتحليلات

نصف سكان سوريا لاجئون ومناطق الإدارة الذاتية الملاذ الآمن

جمال عيسى

يعيش أكثر من نصف سكان سوريا بين لاجئ في دول العالم ودول الجوار أو نازح داخل الوطن. فيما لا تزال قضية اللاجئين تعتبر من أبرز القضايا التي تتصدر أية محادثات بشأن حل الأزمة السورية. أما النازحون داخل الوطن فيعتبرون مناطق الإدارة الذاتية الأكثر أمنا وملائمة للحياة.

بحلول منتصف عام 2011 وبينما لم تمضي سوى ثلاثة أشهر فقط على انطلاق أحداث الأزمة السورية كان نحو 15 ألف سوري قد عبروا الحدود إلى تركيا. فثلاثة أشهر كانت كافية لتحويل العديد من المناطق السورية إلى جحيم بالنسبة للناس الآمنين، بعد أن تحول الحراك السلمي إلى التسليح، ولم تحترم لا قوات الحكومة ولا الفصائل المسلحة المعارضة حرمة المناطق الآمنة، وحولتها إلى ميادين حرب واقتتال.

فر مئات الآلاف من السوريين إلى العديد من دول الجوار مثل العراق ولبنان وتركيا والأردن، فيما توجه الآلاف إلى دول أوروبية وعربية. بينما فضل الآلاف أيضاً النزوح داخل البلاد نفسها بحثاً عن ملاذ آمن.

واجه النازحون في بلاد الجوار مآس كبيرة حيث تم استثمارهم سياسياً واقتصادياً لمآرب خاصة بالدول المستضيفة وبشكل خاص تركيا التي لم تترك فرصة إلا واستخدمت فيها اللاجئين السورية ورقة ضغط ضد دول الاتحاد الأوربي بشكل خاص لكسب مبالغ مالية طائلة، بالإضافة إلى مكاسب سياسية أخرى. وعلى الصعيد الداخلي استثمرت تركيا اللاجئين السوريين في قضايا سياسية متعلقة بالانتخابات، عدا عن تجنيد مئات الشباب السوريين في صفوف الفصائل الموالية لتركيا في المناطق التي تسيطر عليها في سوريا، وتشغيلهم كمرتزقة لصالح تركيا في العديد من الدول. وفي الوقت الحالي يتعرض اللاجئون السوريين لممارسات عنصرية وتهجير قسري.

الوضع في لبنان لا يختلف كثيراً، وكذلك الأمر في العديد من الدول الأخرى.

مآسي النازحين داخل البلاد أيضاً لم تكن أقل من مآسي اللاجئين.

مئات الآلاف من السوريين ممن دمرت منازلهم وانهارت مصادر رزقهم تشردوا في مختلف أصقاع سوريا بحثاً عن ملاذ آمن، وفرصة حياة تؤمن لهم العيش بكرامة.

تشير التقديرات والمعطيات الميدانية أن معظم النازحين السوريين داخل البلاد يفضلون العيش في مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا منذ تأسيسها عام 2013 وحتى اليوم.

ولا يبدو من العسير تفسير هذا الأمر بالنظر إلى ما تؤمنه مناطق الإدارة الذاتية من أمان، وفرص عمل وحريات شخصية، مقارنة مع مناطق الحكومة السورية أو المناطق التي تسيطر عليها تركيا وفصائل المعارضة الموالية لها.

ورغم أن نسبة كبيرة من النازحين هم أصلاً من سكان المناطق التي تسيطر عليها تركيا والمعارضة، وكذلك مناطق سيطرة الحكومة إلا أنهم يفضلون التوجه إلى مناطق الإدارة.

الأمن والأمان من أهم العوامل التي دفعت بالسوريين للتوجه إلى مناطق شمال وشرق سوريا، حيث أن هناك قوات عسكرية منضبطة ومتماسكة وكذلك مؤسسات أمنية تؤمن الأمن الداخلي وتحمي المنطقة من هجمات خارجية أيضاً. وذلك على عكس مناطق سيطرة تركيا وفصائلها التي تعيش حالة فلتان أمني وتقسيم النفوذ بين الفصائل المتناحرة، وفوضى انتشار السلاح وحالات النهب والسلب الاختطاف بهدف طلب الفدية، التي يتعرض لها الأهالي.

كما أن مناطق الإدارة الذاتية تؤمن مستوى معين الحريات الشخصية بموجب العقد الاجتماعي الذي تعتبره بمثابة دستور. مما يضمن عدم معاملة أي شخص في المنطقة بناء على الهوية أو العرق أو المعتقد أو الدين والمذهب. بينما يعاني السوريين في باقي المناطق من التمييز والمعاقبة على أساس الانتماء العرقي والديني والمذهبي.

ومن المعلوم أن حالة الأمن والاستقرار تؤدي بالضرورة إلى انتعاش قطاعات التنمية سواء على صعيد الزراعة أو التجارة أو الصناعة، مما يؤمن فرص عمل للنازحين تعينهم على تأمين لقمة العيش لعوائلهم. خاصة أن أجور الإيدي العاملة في مناطق الإدارة الذاتية أعلى بنسب كبيرة مع مثيلاتها في باقي المناطق، بالإضافة إلى انخفاض أسعار متطلبات الحياة الأساسية وبشكل خاص الوقود والخبز.

تشرف الإدارة الذاتية على العديد من مخيمات النازحين، كما تأوي مدن المنطقة عشرات الآلاف من النازحين، ورغم ظروف الحصار والهجمات التركية وتهديداتها ضد المنطقة، إلا أن مسؤولين في الإدارة الذاتية أكدوا في أكثر من مناسبة استعدادهم استقبال اللاجئين السوريين المقيمين في دور الجوار وخاصة من تركيا ولبنان. وإلى حين حل الأزمة السورية وعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم ستبقى مناطق الإدارة الذاتية هي الملاذ الآمن.

 

مشاركة المقال عبر