الشـ ـرع واتفاقيات أبراهام: تحوّل صامت يقلب ثوابت السياسة السورية

تحولات متسارعة: من الجهاد إلى التطبيع مع إسرائيل؟

تشير تسريبات وتقارير إعلامية متطابقة إلى أن رئيس سلـ ـطة دمشق الحالية، أحمـ ـد الشـ ـرع، بصدد إعادة تعريف موقع سوريا الإقليمي من خلال مقاربة جديدة للعلاقة مع إسـ ـرائيل. هذه التحـ ـركات، وإن لم تُعلن رسمياً حتى الآن، جاءت في سياق مفاوضات غير مباشرة كشفت عنها وسائل إعلام غربية وإسـ ـرائيلية، وتهدف إلى انضمام سوريا إلى اتفاقيات أبراهام، ما يُعدّ تحولاً جوهرياً في الخطاب والموقف السوري التقليدي إزاء القـ ـضية الفلسطينية وإسـ ـرائيل.

لقاء الشرع – ترامب وملامح اتفاق سوري – إسرائيلي محتمل

في 14 مايو/أيار 2025، التقى أحمد الشرع بالرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب في العاصمة السعودية الرياض، في لقاء وصفه مراقبون بأنه منعطف مفصلي في السياسة الخارجية السورية. وبحسب ما نقله النائب الجمهوري الأميركي كوري ميلز، فإن الشرع أبدى خلال اللقاء استعداداً واضحاً للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، وهذا ما أكده ترامب أيضاً بإعلانه أن الشرع مستعد للانضمام إلى الاتفاق ولكنه يحتاج بعض الوقت.

لكن البنود التفصيلية لاتفاق محتمل بين سوريا وإسرائيل لم تُستمد من هذا اللقاء مباشرة، بل جاءت لاحقاً في سياق ما كشفته صحيفة “جيروزاليم بوست”، التي نقلت عن مصادرها أن مفاوضات سرية جرت بين ممثلين عن سلطة دمشق الانتقالية ومسؤولين إسرائيليين، وأسفرت عن صيغة أولية يتوقع أن تشكّل نقطة انطلاق نحو تطبيع شامل.

ومن أبرز بنود الاتفاق التي تم تسريبها:

الاعتراف المتبادل بالسيادة؛

إقامة علاقات دبلوماسية؛

إنهاء رسمي لحالة العداء؛

تعاون اقتصادي وأمني، لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب؛

تبادل ثقافي واجتماعي لتعزيز التفاهم؛

فتح رحلات جوية مباشرة بين دمشق وتل أبيب.

وتؤكد هذه البنود – إن صحت – أن ما يجري هو تحول جذري في العقيدة السياسية السورية، ويأتي في إطار التوجهات الأميركية لتوسيع اتفاقيات أبراهام، لتشمل دولاً كانت في قلب ما يُعرف بـ”جبهة الرفض”.

كما أشارت التقارير إلى دور أميركي فاعل في التوسط لهذا التقارب، بالتوازي مع تغير موازين القوى في سوريا بعد الإطاحة ببشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، وإعلان ترامب من السعودية رفع العقوبات عن دمشق.

تحولات متسارعة: من الجهاد إلى التطبيع مع إسرائيل؟

الاتصالات المباشرة بين دمشق وتل أبيب – التي أكّدتها تقارير رويترز – تُعدّ تطوراً غير مسبوق. فبعد سنوات من الخطاب والوعيد تجاه إسرائيل، نقلت رويترز عن خمسة مصادر مطلعة أن مباحثات مباشرة وجهاً لوجه جرت في الأسابيع الأخيرة، تضمنت لقاءات في المناطق الحدودية وداخل أراضٍ تخضع للسيطرة الإسرائيلية.

وقد أشرف على هذه المحادثات أحمد الدالاتي، المحافظ المعيّن حديثاً للقنيطرة والمسؤول الأمني البارز في إدارة الشرع، والذي يُعد من أبرز مهندسي الانفتاح الجديد على إسرائيل. وأشارت المصادر إلى أن المحادثات استهدفت خفض التوتر في الجنوب السوري وتقديم ضمانات متبادلة لعدم التصعيد، خاصة في محيط هضبة الجولان.

الجولان على طاولة التفاوض؟

ورغم أن ملف الجولان ظلّ لعقود محرماً في أي تسوية سورية – إسرائيلية، فإن تقارير إسرائيلية نقلت عن مصادرها أن أحمد الشرع أبدى “استعداداً للنقاش بشأن مستقبل الجولان”. وفي تصريحات لاحقة، قال الشرع إن أي محاولة لتقسيم الأراضي السورية أو فرض واقع جديد في الجولان ستكون بمثابة “خط أحمر”.

ولكن مراقبين رأوا في هذه اللهجة تلييناً غير مسبوق في الموقف السوري الرسمي، وربما مؤشراً على رغبة في مقايضة سياسية بين الاعتراف المتبادل والتطبيع، مقابل ترتيبات خاصة حول الجولان، بضمانات أميركية.

غضب شعبي وردود فعل رافضة للتقارب

في الداخل السوري، أثارت التسريبات عن انفتاح أحمد الشرع على اتفاقيات أبراهام ردود فعل متباينة. ففي حين رأت بعض النخب السياسية والمدنية في هذه الخطوة “فرصة لإنهاء عزلة سوريا وتحقيق استقرار اقتصادي”، اعتبرها كثيرون “خيانة وطنية” وتفريطًا بـ”الحق الفلسطيني والجولان السوري المحتل”.

وجاء الرفض الأشد من العناصر الأجنبية والفصائل الجهادية العاملة في سوريا التي ساعدت أحمد الشرع في الوصول إلى سدة الحكم، وترى في ما يحدث انقلاباً على الثوابت وتطبيعاً مع العدو التاريخي. فيما يسود قلق بالغ في صفوف القوى الفلسطينية من “تواطؤ سوري جديد ضد حقوق الشعب الفلسطيني”، فيما التزمت السلطة الفلسطينية صمتاً حذراً.

ما هي الموافق الدولية؟

وأثنى النائب الأميركي كوري ميلز، عن الحزب الجمهوري، على استعداد الشرع “للانخراط في اتفاقيات أبراهام”، معتبراً أن ذلك “يمهّد الطريق أمام إعادة إدماج سوريا في النظام الدولي”. وقد أكدت وزارة الخارجية الأميركية – في رسالة اطّلعت عليها رويترز – أن سوريا أبلغت واشنطن بعدم رغبتها في أن تكون “مصدر تهديد لأي طرف، بما في ذلك إسرائيل”.

أما إسرائيل، وعلى الرغم من تحفظها الرسمي، فقد قللت من عملياتها الجوية مؤخراً في سوريا، وسط مؤشرات على بداية تفاهمات أمنية ضمنية.

بين الحذر والاستحقاق: مستقبل دمشق الإقليمي

ويمثل انخراط سلطة دمشق في اتفاقيات أبراهام – إن تأكد رسمياً – انعطافة كبرى في السياسات السورية، وانتقالاً إلى محور “التطبيع العربي الشامل”. ويهدد هذا التحول بتقويض الشرعية الشعبية لسلطة أحمد الشرع، وتفجير احتجاجات داخلية؛ وخسارة الدعم الشعبي من الكتل القومية والإسلامية؛ وإضعاف موقف سوريا في ملف الجولان والقضية الفلسطينية.

من الظل إلى الضوء؟

من المؤكد أن سوريا ما بعد الأسد تسير نحو مقاربة جديدة تماماً في علاقاتها الدولية. فهل يمثل هذا التحول نهاية الصراع مع إسرائيل، أم بداية صراع داخلي جديد؟ وهل يستطيع الشرع الحفاظ على توازن بين الواقعية السياسية والشرعية الوطنية؟

أسئلة ستكشفها الأيام المقبلة مع اقتراب لحظة الحقيقة.

مشاركة المقال عبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى