أزمـ ـات متفـ ـاقمة وفسـ ـاد مستـ ـشري في ظل حـ ـكم تحـ ـرير الشام: وعود فارغة ومدن ومخيمات بلا ماء
مشاريع تهدف لتحسين صورة هيئة تحرير الشام دولياً لا إلى خدمة المواطنين

منذ سقـ ـوط نظـ ـام بـ ـشار الأسـ ـد في 8 كانون الأول 2024، دخلت سوريا مرحلة سياسية جديدة تمثّلت بصعود ما يُعرف بـ”النظـ ـام السوري الجديد” بقـ ـيادة هيـ ـئـ ـة تحـ ـريـ ـر الشـ ـام. ورغم ما رُوّج له على أنه بداية عهد مختلف، إلا أن الواقع في مناطق سيـ ـطرة هذه السلـ ـطة، وخاصة إدلب التي تعتبر معقـ ـلها وكذلك حمص، يُظهر بوضوح أن الأزمـ ـات لم تنتهِ بل تفـ ـاقـ ـمت، وأن الفسـ ـاد المالي والإداري بات المعـ ـضلة الأبرز التي تهـ ـدد استقرار هذه المناطق وتغـ ـذي مشاعر الغـ ـضب الشعبي.
فساد إداري وهيكلي يعمّق المعاناة
وفي ظل غياب مؤسسات رقابية حقيقية، برزت مظاهر فساد واضحة في مفاصل الإدارة الجديدة، بدءاً من تعيينات مبنية على المحسوبيات الطائفية والولاء لهيئة تحرير الشام، مروراً بغياب الشفافية في إدارة الأموال العامة، وصولاً إلى توظيف القضاء كأداة لإسكات الأصوات المعارضة.
ويشير عدد من نشطاء المجتمع المدني إلى أن الأموال التي تم تخصيصها لتحسين البنية التحتية والخدمات، إما اختُلسَت أو صُرفت على مشاريع لا تلبي حاجات السكان الأساسية.
إدلب وحمص بدون مياه رغم وجود الآبار
وتعاني كل من إدلب وحمص من أزمة خانقة في المياه، رغم توفر الآبار في محيط البلدات والقرى. الأهالي يؤكدون أن معظم هذه الآبار متوقفة عن العمل بسبب أعطال فنية يسهل إصلاحها، لكن السلطة الجديدة تماطل في تشغيلها. ويكشف بعض العاملين في مجال الإغاثة أن ميزانيات تم تقديمها لإعادة تشغيل شبكات المياه جرى تحويلها لصالح مشاريع تجميلية ودعائية.
أحد أهالي مدينة حمص يقول: “يعدوننا بتوفير المياه منذ شهور، لكن لا شيء يحدث. أطفالنا يشربون من مياه ملوثة. حتى الصهاريج لم تعد متوفرة بسبب ارتفاع أسعار النقل”.
النازحون في المخيمات: معاناة مستمرة
وفي المخيمات المنتشرة شمال إدلب وشرق حلب، يواجه مئات الآلاف من النازحين ظروفاً مأساوية في ظل غياب الرعاية الصحية، وشحّ المياه، وندرة المواد الغذائية.
ورغم وعود “سلطة دمشق” والتي جاءت من رأس الهرم أحمد الشرع الذي زار تلك المخيمات، بتحسين الأوضاع، فإن الواقع يشير إلى تراجع في الخدمات.
مشاريع ترويجية على حساب حاجات السكان
وبدلاً من معالجة المشكلات الخدمية أو توفير الكهرباء والمياه للمناطق المنكوبة، تستمر السلطة في الترويج لنفسها إعلامياً وتوقيع اتفاقات لإنشاء مدينة للإنتاج الإعلامي، في مشروع تقدّر قيمته بأكثر من 1,5 مليار دولار، يعزز صناعة الإعلام، في وقت تعاني فيه المدارس والمشافي من الانهيار شبه الكامل.
هذه المشاريع، بحسب مراقبين، تهدف بالأساس إلى تحسين صورة هيئة تحرير الشام دولياً، لا إلى خدمة المواطنين الذين ما زالوا يعانون من تبعات الحرب والانهيار الاقتصادي.
الفساد المالي: وجه آخر للأزمة
وتكشف تقارير ميدانية عن شبهات فساد متعلقة بملفات استيراد المواد الغذائية، وتحويلات المساعدات الإنسانية. في أكثر من مناسبة، تم رصد بيع مساعدات أممية داخل الأسواق التجارية بأسعار مرتفعة، ما يشير إلى وجود شبكة توزيع مرتبطة بقيادات داخلية في الهيئة.
وفي إدارات المالية، تؤكد تقارير أن جبايات تُفرض على الأهالي والتجار تحت مسميات متعددة، مثل “زكاة شرعية” و”رسوم خدمات”، لكنها لا تعود بأي تحسن على الأرض، مما يعمّق فقدان الثقة بين السلطة والسكان.
غياب العدالة وسيطرة أمنية مشددة
النظام القضائي الجديد الذي أنشأته “سلطة دمشق” يعمل بشكل غير مستقل، ويمارس أدواراً سياسية أكثر منها قانونية. قرارات التوقيف أو المصادرة تُتخذ أحياناً بفتاوى دينية أو بوشايات أمنية، في ظل غياب واضح للضمانات الحقوقية.
أحد المحامين يقول: “النظام القضائي اليوم يشبه محاكم التفتيش، لا توجد استقلالية، بل سلطة قمع مغطاة بالشرع”.
بين الفساد والأزمات… المستقبل مجهول
أمام هذا المشهد، يُجمع مراقبون على أن استقرار المناطق الخاضعة لسلطة دمشق بات مهدداً من الداخل، لا بفعل تدخل خارجي، بل بسبب تراكم الفساد وانعدام الشفافية والتخلي عن أولويات الناس.
المطلوب اليوم، وفق نشطاء المجتمع المدني، محاسبة الفاسدين، وإنشاء هيئات مستقلة رقابية، وربط أي دعم دولي بمؤشرات أداء حقيقية على الأرض. فالأهالي لم يعودوا يحتملون مزيداً من الأوهام، وهم يعيشون على أمل إصلاح لم يبدأ بعد.