الشرع يطلق الهوية البصرية الجديدة لسوريا وسط تغـ ـييب للمكونات وشـ ـكوك حول جدية الشعارات
مستقبل الهوية السورية يُحسم عبر بناء دولة تشاركية تعترف بجميع مكوناتها لا عبر التصاميم

في خطاب متلفز مساء الخميس، أعلن رئيس المرحلة الانتقالية المؤقتة في سوريا أحمد الشرع إطلاق الهوية البصرية الجديدة لسوريا، والتي قال إنها تمثل “سوريا الواحدة الموحدة” وتعبر عن “التنوع الثقافي والعرقي كعامل إغناء لا فرقة”. الخطاب، الذي حمل عبارات توحي بالشمول والانفتاح، يأتي في وقتٍ تعيش فيه البلاد مرحلة دقيقة من التحول السياسي والاجتماعي بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول 2024، وهي مرحلة يتسم فيها المشهد السوري بتمزق واضح وانفراد السلطة في اتخاذ القرارات بما يناقض التصريحات.
تصريحات الشرع: كلمات كبيرة في إطار ضيق
ومن أبرز ما جاء في خطاب الشرع:
“الهوية التي نطلقها اليوم تعبر عن سوريا التي لا تقبل التجزئة ولا التقسيم”.
“التنوع الثقافي والعرقي عامل إغناء وإثراء لا فرقة أو تنازع”.
“نرمم الهوية السورية التي ألفت الهجرة… ونعيد إليها ثقتها وكرامتها”.
هذه التصريحات تطرح في ظاهرها خطاباً وحدوياً شاملاً، لكنها تفتقر إلى الترجمة العملية، خصوصاً مع غياب أي إشارات إلى مشاركة فعلية من بقية المكونات السورية — الكورد، السريان، الآشوريين، الدروز، العلويين، والتركمان — في بلورة هذه الهوية أو صياغة معالمها.
غياب التشاركية: إطلاق منفرد دون توافق وطني
ولم تشارك القوى المدنية أو السياسية سواء في شمال وشرق سوريا، أو من المكونات غير العربية السنية، في أي عملية تشاورية تتعلق بالهوية الجديدة. وهذا يثير تساؤلات جوهرية حول: من صاغ هذه الهوية؟ من تمثّل؟ هل هي خطوة نحو مركزية جديدة تحت غطاء بصري حديث؟
الخطاب بدا وكأنه يسعى إلى إنتاج صورة موحدة من الأعلى، دون تأسيس حوار حقيقي على الأرض. وهو ما يعتبر إعادة إنتاج لنهج سلطوي بصيغة جديدة.
الهوية البصرية: شكل دون مضمون؟
الهوية التي ارتكزت في تصميمها البصري — حسب ما أعلنه الشرع — على “الطائر الجارح”، عكست مفردات القوة والسرعة والاتقان، لكنها خلت من أية رمزية تعكس حقيقة التنوع السوري. لا رموز كوردية أو آرامية أو مسيحية ودرزية وعلوية، ولا أي إشارات بصرية إلى التراث المتنوع للبلاد.
مفارقة الأقوال والأفعال
بينما تحدث الشرع عن “سوريا التي لا تقبل التجزئة ولا التقسيم”، تُظهر الوقائع تزايد التوتر الأمني في مناطق العاصمة وريفها، خصوصاً مع هيمنة هيئة تحرير الشام على مفاصل السلطة. واعتقالات تطال ناشطين ومدنيين من خلفيات عرقية وسياسية متعددة، كما حدث مؤخراً في حي وادي المشاريع (زور آفا) وما يرتكب في الساحل من جرائم. تهميش فعلي للكورد والمكونات الأخرى في مؤسسات الدولة.
هل نحن أمام وحدة رمزية أم إعادة هندسة قومية؟
إطلاق الهوية البصرية خطوة قد تكون ضرورية في مرحلة إعادة البناء الرمزي للدولة، لكنها تتحول إلى أداة فارغة إن لم تُرفق بإشراك حقيقي وتشاركي لجميع السوريين. خطاب الشرع يرفع شعارات الوحدة، لكنه يفتقد إلى المصداقية في التطبيق، خاصة في ظل تغييب القوى المجتمعية والاعتقالات المستمرة على خلفية الانتماء أو الرأي.
إن مستقبل الهوية السورية لن يُحسم في القاعات أو عبر التصاميم، بل عبر بناء دولة تشاركية تعترف بجميع مكوناتها، وتمنحها صوتاً فعلياً في صناعة القرار، لا فقط في الخطاب.