العالم والشرق الاوسط

أفغانستان إمارة إسلامية: أيّ مستقبل للجماعات الجهادية

أعلنت حركة طالبان الأحد عن قيام إمارة إسلامية في أفغانستان كما كان متوقعا بعد أن سيطرت على العاصمة كابول وفرار الرئيس أشرف غني. وبينما تستعد طالبان لحكم أفغانستان فإن السؤال الذي يطرح: هو ماذا يعني هذا بالنسبة إلى مستقبل القاعدة والجماعات المتطرفة الأخرى التي تتخذ من كابول قاعدة لعملياتها الجهادية.
ويعتمد مصير الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان على كيفية اختيار طالبان التي باتت تحكم أفغانستان.
وليس من الواضح ما هو الموقف الذي ستتخذه طالبان تجاه القاعدة أو المتطرفين الإسلاميين الآخرين الملتزمين بحملات عنف عابرة للحدود في أفغانستان. كما أنه ليس من الواضح كيف سيكون رد فعل القاعدة على الأحداث الأخيرة. وليس هناك شك في أن السرعة المذهلة لانتصار طالبان ستعطي دفعة هائلة للمتطرفين الإسلاميين سواء القاعدة أو الدولة الإسلامية.
وفي الأسبوع الماضي قال وزير الدفاع البريطاني بن والاس لشبكة سكاي نيوز عندما سئل عن أفغانستان إنه “قلق للغاية من أن الدول الفاشلة هي أرض خصبة لتلك الأنواع من الناس” وأن “القاعدة ربما تعود”.
وكان والاس محقًا في قلقه بشأن الدول الفاشلة – فقد تم التخطيط والإعداد لهجمات الحادي عشر من سبتمبر من قبل القاعدة في أفغانستان عندما كانت تحكمها طالبان – لكنه كان مخطئًا بشأن قيام المجموعة بنوع من العودة. القاعدة موجودة هناك بالفعل.
وفي الشهر الماضي فقط نشرت الأمم المتحدة تقييمًا يستند إلى معلومات استخبارية وردت من الدول الأعضاء تفيد بأن القاعدة “موجودة في 15 مقاطعة أفغانية على الأقل” ، وأن القاعدة في شبه القارة الهندية، التابعة للجماعة، “تعمل تحت إشراف حماية طالبان من مقاطعات قندهار وهلمند ونيمروز .
وقبل ذلك قال الباحث السياسي المغربي فراس إلياس إن قيادات تنظيم القاعدة طلبوا مغادرة إيران إلى أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان على مقاليد الأمور هُناك، إذ أن عددا من زعماء القاعدة متواجدون في إيران.
وكتب إلياس في تغريدة عبر تويتر “مصادر من داخل إيران تتحدث عن أن العديد من قيادات تنظيم القاعدة وعناصرها المتواجدين داخل إيران، أعلنوا عن رغبتهم بمغادرة إيران باتجاه أفغانستان، بعد سيطرة الحركة على مقاليد الأمور هناك، ولم يعد هناك ما يتطلب بقاءهم في إيران”.
وتعزز سيطرة طالبان على الأراضي ورحيل القوات الغربية من أفغانستان فرصة تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية بولاية خراسان، في توسيع عملياتهما في أفغانستان، أو ربما غيرها من الدول المجاورة.
وأكد تقرير للأمم المتحدة صدر في أوائل العام الجاري حول التهديد العالمي للإرهاب أن لدى تنظيم القاعدة “طموحات كبيرة، فهي مازالت متماسكة، ونشطة في العديد من المناطق، ولديها طموح في أن تطرح نفسها أكثر على المسرح الدولي”، وفي فبراير 2020 حذر أيضا رئيس الاستخبارات البريطانية أليكس يونج من عودة القاعدة.
تنظيم القاعدة
وجد تقرير حديث للأمم المتحدة بناءً على معلومات استخباراتية للدول الأعضاء أنه على الرغم من وعود قادة طالبان الأفغانية بقطع العلاقات مع القاعدة ، يبدو أن العكس هو الصحيح.
وخلص التقرير إلى أن نواة طالبان والقاعدة “لا تظهر أيّ مؤشرات على قطع العلاقات”، مضيفًا أن طالبان تستضيف ربما المئات من عناصر القاعدة في شبه القارة الهندية في مقاطعات قندهار وهلمند ونمروز.
ووجد التقييم أن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين جزء لا يتجزأ من تمرد طالبان و”سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، فصله عن حلفائه من طالبان”.
ويقول خبير الشؤون الجهادية وأستاذ العلوم السياسية في باريس جان بيار فيليو إن حركة طالبان التي أعلنت الأحد قيام إمارة إسلامية في أفغانستان لن تمنح دعما مطلقا لـتنظيم القاعدة لكنّها لن تتوانى عن حماية التنظيم الذي أسسه أسامة بن لادن.
ويضيف بيار فيليو أن عناصر طالبان في العام 2021 غير طالبان العام 2001، والسبب ليس “اعتدال” عقيدتهم الدينية الظلامية، بل عزمهم على عدم تكرار الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبوه بدعمهم المطلق للقاعدة والذي كلّفهم حينها الإطاحة من السلطة.
وسيواصل سراج الدين حقّاني الذي يعد الرجل الثاني أو الثالث في التراتبية المبهمة لطالبان توفير الحماية لكوادر القاعدة التي يتزعّمها أيمن الظواهري منذ العام 2011، على غرار ما فعل والده جلال الدين حقاني مع بن لادن. لكن أيّ هجمات مستقبلية سيتم تبنّيها من باكستان، من أجل تجنيب حكم طالبان في أفغانستان المخاطر.
ويعتمد تنظيم القاعدة أيضا على فروع في العديد من الأقاليم والدول، مثل القاعدة في المغرب الإسلامي، القاعدة في شبة الجزيرة العربية، القاعدة في شبه القارة الهندية، جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في مالي وغرب أفريقيا، حركة الشباب في الصومال، حركة تحرير الشام، للعودة إلى ساحة الإرهاب الدولية.
ولا تزال العلاقة وطيدة بين حركة طالبان وبالأخص شبكة حقاني التابعة لها وتنظيم القاعدة، وهي علاقة قائمة على الصداقة وعلى تاريخ مشترك من النضال والتعاطف الأيديولوجي.
وعلى مدى سنوات ترسخت العلاقة بين طالبان والحركات الجهادية من خلال الصلات الأيديولوجية والروابط الشخصية والأهداف المشتركة، بل إن طالبان أكدت في بيان نُشر على موقع الحركة المعروف باسم “صوت الجهاد” في أكتوبر الماضي، جاء فيه أن الحركة ليس لها أي التزامات تقضي بقطع علاقاتها مع القاعدة بموجب اتفاق مع الولايات المتحدة.
ولكن طالبان قالت حسب المتحدث باسم الحركة سهيل شاهين “نحن ملتزمون بعدم السماح لأيّ شخص باستخدام الأراضي الأفغانية ضد الولايات المتحدة أو حلفائها”، وهما مسألتان مختلفتان، فعدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات ضد الولايات المتحدة أو حلفائها لا يعني فك الارتباط بالقاعدة والحركات الجهادية، وإنما يشير إلى اتباع نهج جديد للجهادية العالمية يرتكز على استهداف العدو القريب والحكومات المحلية، وهو ما يعيد الحركة الجهادية إلى سيرتها الأولى، إذ توفر إمارة طالبان ملاذات آمنة للحركات الجهادية في مجال التخطيط والتدريب، لتنفيذ عملياتها في بلدانها الأصلية، وقد كشف تقرير صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مؤخراً عن مدى وحجم التقارب والتعاون بين الجماعات الجهادية في آسيا الوسطى وطالبان والقاعدة.
وتطورت العلاقات بين طالبان، التي تضم العديد من الفصائل المختلفة، والقاعدة بشكل كبير منذ ذلك الحين. في بعض الأحيان كانت هذه منقسمة، لكنها كانت على العكس من ذلك بشكل متزايد.
ومع مرور العقود تم تشكيل العلاقات الشخصية والروابط العائلية. وعمل قادة شبكات مسلحة أخرى كوسطاء. لا تزال بعض الأولويات مختلفة، لكن طالبان أكثر وعيًا عالميًا مما كانت عليه قبل 20 عامًا، مما يعني أن المنتسبين إليها يشاركون عناصر من النظرة العالمية للقاعدة بطرق جديدة ومهمة. ووصفت أجهزة المخابرات الأميركية العلاقة بأنها “وثيقة”.
لكن طالبان المنتصرة ستسعى أيضًا للحصول على الشرعية الدولية. لقد فعلوا ذلك عندما كانوا في السلطة من قبل، وسوف يفعلون ذلك مرة أخرى. والسؤال هو ما هي المساومة التي قد يكون قادة طالبان على استعداد للقيام بها لتحقيق ذلك.
وأوضح تقرير استخباراتي حديث أن تنظيم القاعدة ليس كما كان عليه في عهد قيادة أسامة بن لادن، فقد قَتلت الولايات المتحدة الكثير من عملائه، ويُشاع أن زعيمه الحالي أيمن الظواهري توفّي، ويبقى الكثير من قادته الآخرين هاربين، وبموت بن لادن تراجع تمويل التنظيم، ولذا لم يعد لديه معسكرات تدريب واسعة في أفغانستان.
وفي أكتوبر 2020 قتلت قوات العمليات الخاصة الأفغانية أبومحسن المصري، وهو على الأرجح العنصر الثاني الأهم في تنظيم القاعدة بأفغانستان، وتم اكتشاف رسائل أرسلها المصري يبلغ فيها قيادات للقاعدة في سوريا أن أفغانستان قد تعود قريبًا إلى موقعها السابق كمركز محوري للجماعة الإرهابية.
ويرى مراقبون أنه حتى لو لم يحاول تنظيم القاعدة الاستفادة من هذه الظروف الجديدة في افغانستان فإن الآخرين سيفعلون ذلك. قد يحاولون بتشجيع حكام أفغانستان أو ضد إرادتهم الصريحة ، لكنهم سيحاولون.
الدولة الإسلامية
تتعامل حركة طالبان مع الانسحاب الأميركي باعتباره نصراً مظفراً لها ولحلفائها وهزيمة منكرة للولايات المتحدة وشركائها، وهو ما يعزز من شرعية طالبان في قيادة الجهادية العالمية، التي تتنافس على تمثيله مع تنظيم الدولة الإسلامية.
وبعد هزيمة داعش وإنهاء “خلافته” في العراق وسوريا، تهدف طالبان إلى أن تصبح “الإمارة الإسلامية” في أفغانستان مظلة جامعة للجماعات الجهادية كافة، وقد ظهرت سياسة طالبان بوضوح في رسالة مجلس الشورى القيادي للإمارة الإسلامية التي بعثها إلى تنظيم الدولة بعنوان “الشيخ أبوبكر البغدادي وإخوانه المجاهدون”، والتي نشرتها مجلة “الصمود” في العدد 111 يوليو 2015، المتزامنة مع صعود تنظيم “الدولة” في أفغانستان، حيث عرض نائب الإمارة الإسلامية ومشرف الشورى القيادي آنذاك ملا أختر محمد منصور علي البغدادي، وتفادياً لما وصفه بـ”الفتنة” الإذن له بـ”الجهاد” في صف الإمارة الإسلامية وتعتبر الرسالة “أيّ جماعة أو صف آخر في مقابل صفها عملاً مخالفاً لمصالح الإسلام والجهاد والمجاهدين”.
وفي هذا السياق فإن حركة طالبان تعتبر تنظيم الدولة خصمها الأكبر لكونه نازعها قيادة الجهاد العالمي، وقد تعاملت مع ولاية خراسان التابعة للتنظيم في أفغانستان بحزم وعنف، حيث وجهت طالبان ضربة قاسية للمنشقين عن الحركة منذ أواخر 2015 وقتلوا زعيم التمرد عثمان غازي ومئة من مناصريه في قاعدة في مقاطعة زابول.
وأسس منشقّون عن طالبان تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان، الفرع الأفغاني لتنظيم الدولة الإسلامية في العام 2015.
ويؤكد مراقبون أن طالبان لن تغفر لهم خيانتهم وستواصل الأعمال العدائية الحالية وصولا إلى سحق هذا التنظيم الجهادي. وستسلّط طالبان من دون أدنى شك الضوء على قمعهم لتنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان لضمان الدعم الغربي.
لا تزال العلاقة وطيدة بين طالبان وتنظيم القاعدة، وهي علاقة قائمة على تاريخ مشترك من النضال والتعاطف الأيديولوجي
وبالرغم من أن التنظيم تعرض إلى ضربات من الحكومة الأفغانية مدعومة من القوات الغربية المتواجدة في أفغانستان كما تعرض إلى ضربات حركة طالبان، فإنه رغم الضعف الذي تأثر به إلا أنه لم تلحق به هزيمة ساحقة مثلما جرى في العراق وسوريا، حيث استغل التضاريس في منطقة الحدود الباكستانية – الأفغانية ودعّم بعض الجماعات العسكرية الباكستانية ليستمر في عملياته وإن خفّت حدتها.
واعتمد التنظيم في الآونة الأخيرة على بث دعاية إعلامية مكثفة ضد حركة طالبان، باعتبارها حركة قومية وليست إسلامية بالمعنى الجامع لا تمانع بالتعامل مع الولايات المتحدة، وقد تقبل الدخول في لعبة الديمقراطية.
وبحسب موقع sofrep الأميركي العسكري فإن تنظيم الدولة وفي إطار مساعيه لإعادة إحياء ولاية خراسان أرسل قائدا عراقيا يدعى الدكتور شهاب وجعله واليا على الجماعة، وبحسب الموقع فإن تنظيم الدولة سيقوم في الفترة المقبلة بالعمل على تجنيد أعداد كبيرة من المقاتلين في صفوفه، ونقل الموقع عن مصادر لم يسمّها، قولها إن شهاب المهاجر يريد استغلال الثغرات في المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان لتهريب المقاتلين منها.
وفي بحث نشر بمنصة ResearchGate للدراسات، فإن التنظيم يحاول زرع أفكاره في عقول الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات، وربما يحاول استغلال هذه النقطة في حال تمكن من فرض سيطرته على ننجرهار مجددا، وترى الدراسة أن تنظيم الدولة ربما يلجأ في حال التضييق عليه مناطقيا إلى حرب العصابات، أو خيار أسهل من ذلك وهو استهداف تجمعات الشيعة.
حلمي همامي – صحيفة العرب

مشاركة المقال عبر