العالم والشرق الاوسط

المسيّرات في حرب أوكرانيا تضع أردوغان في مواجهة مع بوتين

أثار حديث المسؤولين الأوكرانيين عن اعتمادهم على المسيّرات التركية في مواجهة القوات الروسية تساؤلات عن وقع هذه الأخبار على العلاقة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين صاحب المزاج الصعب الذي قد يرد على الدور التركي في الحرب بشكل لا تتوقعه أنقرة.
واعتبر مراقبون أن إعلان كييف عن وصول أعداد جديدة من المسيّرات خلال الفترة الماضية سيعني أن أنقرة باتت شريكة في الحرب بشكل أو بآخر، وهذا سيعني أن علاقتها بروسيا قد تعود إلى حالة البرود التي شهدتها نهاية 2015 بعد إسقاط قوات تركية لمقاتلة روسية على الحدود مع سوريا، وهو الحادث الذي دفع موسكو إلى تشديد العقوبات الاقتصادية على الأتراك، ولم ينته الأمر إلا بعد أن قدم أردوغان رسالة اعتذار علنية إلى الرئيس بوتين.
وقال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف، بحسب وكالة الأنباء الروسية، إن طائرات تركية جديدة مسيّرة وصلت إلى أوكرانيا. ونشر ريزنيكوف على صفحته الخاصة على فيسبوك، منشورا جاء فيه “وصلت بالفعل إلى أوكرانيا طائرات مسيّرة من نوع بيرقدار، وهي مسيّرات قتالية”.
وأشار المراقبون إلى أن هذه الخطوة ستزيد من عزلة الرئيس التركي، ولن تقرّبه من الأميركيين بما يكفي كما يعتقد، خاصة أنه فشل خلال الأشهر الماضية في كسب ثقة الرئيس الأميركي جو بايدن الذي استمر على نهج سياسة سلفه دونالد ترامب في منع أنقرة من الاشتراك في برنامج المقاتلة أف – 35 بسبب إصراره على شراء منظومة الصواريخ الروسية أس – 400 وتحديه للنظام الداخلي لحلف الناتو.
ويعتقد هؤلاء المراقبون أن أردوغان ليس له من خطط سوى معاداة الجميع وإطلاق تصريحات ومواقف مثيرة لجلب الأضواء بقطع النظر عمّا سيفضي إليه تصعيده من أضرار على مصالح بلاده وعلاقاتها الخارجية خاصة أنها تعيش وضعا اقتصاديا صعبا وتحتاج إلى تبريد الخلافات لاستعادة ثقة المستثمرين، لافتين إلى أن الرئيس التركي لديه مشكلة نفسية، وأنه اعتاد أن يكون مركز الحدث، وهو أمر لا يمكنه التخلص منه بالرغم من أنه قاد إلى توتير علاقات تركيا وخسارة فرص استثمارات ومشاريع كبرى.
وكان أردوغان قد سعى خلال بداية الحرب في أوكرانيا لإظهار رغبته في لعب دور الوسيط بزعم أن الطرفين صديقان لبلاده، لكن كشف كييف عن حصولها على مسيّرات تركية جديدة زمن الحرب سيجعل من هذه الوساطة مجرد فرقعة إعلامية.
وأكد الرئيس التركي في نهاية الأسبوع الماضي أنه “بصفتنا عضوا في الناتو لا نريد حربا بين روسيا وأوكرانيا ستكون نذير شؤم للمنطقة”، داعيا إلى “حلّ سلمي” للأزمة. وجدد أردوغان الأسبوع الماضي عرض خدماته، مؤكدا أنه عبر “جمْع الزعيمين في بلدنا يمكننا فتح الطريق لعودة السلام”.
وكتبت وزارة الدفاع الأوكرانية على موقع التواصل الاجتماعي تويتر الأربعاء “دفعة جديدة من طراز ‘بيرقدار تي بي 2’ وصلت إلى أوكرانيا… إنها جاهزة بالفعل للقتال… ‘بيرقدار تي بي 2’ مثل السناجب الأرضية، لا ترونها، لكنها موجودة”. وأعربت الوزارة عن شكرها لتركيا، وكتبت “نحن ممتنون بلا حدود لشركائنا”.
ولم تعلن تركيا حتى الآن عن أيّ شيء في هذا الخصوص. كما لم يتضح بعد العدد الدقيق للطائرات المسيّرة التي سلمتها تركيا لأوكرانيا، التي هاجمتها روسيا قبل أسبوع. وكانت أوكرانيا اشترت في الماضي مقاتلات مسيّرة تركية، وتسلمت اثنتي عشرة طائرة منها حتى بداية الحرب، ما أثار انزعاج روسيا.
لكن خبراء يقولون إن وجود المسيّرات التركية هذه المرة لن يؤثر على مسار الحرب، وعلى العكس فقد يقود الأمر إلى اهتزاز صورة هذه المسيّرات وإظهار محدودية فاعليتها إذا واجهت إمكانيات متطورة مثل روسيا التي تمتلك بدورها المئات من المسيّرات.
ونشرت السفارة الأوكرانية في أنقرة على موقع تويتر منذ بداية النزاع صورا لانفجارات نسبتها لطائرات مسيّرة تركية استهدفت أرتال شاحنات ودبابات روسية مرفقة بوسم “بيرقدار- ما شاء الله تي بي2 أس” مع وابل من عبارات المديح.
وقال آرون شتاين من معهد أبحاث السياسة الخارجية في واشنطن إن “ضربات ‘تي بي 2’ قليلة بالمقارنة مع المعارك على الأرض لكنها مهمة للروح المعنوية الأوكرانية لأنها تظهر أن روسيا لا تسيطر على السماء”.
لكن شتاين أكد أنه “فوجئ مثل غيره من الخبراء” بالوجود الضعيف للقوات الجوية الروسية فوق أوكرانيا. وفي حال دخلت هذه القوات بشكل كثيف، فسيكون عمل الطائرات المسيّرة محدودا جدا. وأضاف أنه يتوقع أن “يطالها الاستنزاف قريبا”.
وقال ستين أوجن مدير مركز الأبحاث إيدام في إسطنبول إن “الطائرات المسيرة كانت قادرة على إحداث فرق في النزاعات في ناغورني قره باغ أو سوريا أو ليبيا، لكنها لن تكون الشيء نفسه في أوكرانيا”.
وأضاف “لتكون هذه الطائرات المسيّرة فعالة يجب أن تعمل في بيئة خالية من التهديدات الجوية. كان هذا هو الحال في مواقع النزاعات هذه لكن الأمر لا ينطبق على أوكرانيا” حيث تنشر روسيا أنظمة حرب إلكترونية متطورة.
ورأى أوجن أن هذه الطائرات “ستكون قادرة على استهداف المعدات الروسية الموزعة لكنها لن تصيب الأهداف الأهم والتي تتمتع بحماية أفضل” ولاسيما حول كييف.
وأكد مارك كانسيان المستشار في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أن عشرين طائرة مسيّرة “حتى لو كانت فعالة جدا لا تكفي لتغيير مسار الحرب”. وأضاف “يجب أن نتذكر أن لدى الروس ترسانة تقدر بنحو 500 طائرة مسيّرة والكثير منها لديه قدرة أفضل من تلك الموجودة في أوكرانيا”، ملاحظا أن “روسيا تستخدمها بالتأكيد”.

مشاركة المقال عبر