الأخبار تركيا سوريا

من حق اللاجئين السوريين العودة إلى مناطقهم الأصلية وليس توطينهم في مناطق أخرى

يسعى النظام التركي لتوطين اللاجئين السوريين المتواجدين على الأراضي التركية في مناطق غير مناطقهم الاصلية في سوريا، وهذا يتعارض مع اتفاقية عام 1951 الخاصة باللاجئين، والتي تقول بضرورة أن يعود اللاجئ إلى منطقته الأصلية.

خلال الأشهر الماضية، أبرز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خططه لإعادة مليون لاجئ سوري إلى المناطق التي يسيطر عليها في الشمال السوري، في وقت كان يستغل فيه وتراً قومياً ليصل إلى العقد الثالث من حكمه.

وشدد أردوغان، على عودة اللاجئين خلال حملة انتخابية شرسة قبل جولة الإعادة التي جرت يوم الأحد، ضد كمال كليتشدار أوغلو الذي اتخذ موقفاً أكثر صرامة بشأن هذه القضية.

وأدى التركيز على عودة اللاجئين قبل الانتخابات إلى إثارة القلق بين 3.4 مليون سوري تقريباً يعيشون في تركيا، حيث يتزايد شعور الاستياء تجاههم.

وجاء العديد من اللاجئين من أجزاء في سوريا لا تزال تخضع لسيطرة الحكومة السورية، ويقولون إنهم لا يستطيعون العودة إلى بلداتهم وقراهم طالما تسيطر عليها الحكومة السورية.

وبالأساس لا يرغب أردوغان بعودتهم إلى مناطقهم الاصلية في سوريا، فأردوغان وبدعم قطري ومنظمات إخوانية قطرية وكويتية ومصرية وفلسطينية، بدأت منذ عام 2018 بإنشاء مستوطنات في الأراضي السورية وخصوصاً المناطق ذات الغالبية الكردية التي سيطرت عليها تركيا خلال أعوام 2018 و 2019 وتحديداً في عفرين وتل أبيض ورأس العين، فضلاً عن المناطق السورية الأخرى التي كانت تضم غالبية من العرب السنّة مثل إعزاز وجرابلس والباب وإدلب.

ويريد أردوغان توطين اللاجئين السوريين في هذه المناطق وذلك من أجل تغيير تركيبتها الديموغرافية عبر القضاء على الكورد في هذه المناطق وتوطين سوريين من مناطق سورية مختلفة في مناطق غير مناطقهم الأصلية، وذلك كي يستخدم هذه الحجة في البقاء ضمن الأراضي السورية، فهو يدعي بأنه يحمي السوريين وبما أن غالبية السوريين اللاجئين في تركيا هم من في الأصل من مناطق سيطرة الحكومة السورية ويرفضون العودة إلى هناك في ظل وجود هذه الحكومة، فأن أردوغان يريد أن يستغل هذه النقطة للبقاء ضمن الأراضي السورية والاستمرار بعملية التتريك التي بدأت منذ أمد بعيد من خلال افتتاح الجامعات وتدريس المناهج التركية وباللغة التركية وفرض العملة التركية وحتى البريد التركي، فضلاً عن عمل الشركات التركية في هذه المناطق السورية وربطها بتركيا بعد أن عينت تركيا ولاة أتراك على هذه المناطق السورية. وجميع هذه الخطوات التركية تصب في سياسة فصل هذه الأجزاء من سوريا مستقبلاً وضمها إلى تركيا لخلق منطقة مشابهة لقبرص التركية، حيث تسيطر تركيا على الجزء الشمالي من قبرص منذ عام 1974 وأنشأت فيها دولة لا يعترف بها أحد في العالم سوى تركيا.

ويريد أردوغان تسريع وتيرة إعادة اللاجئين السوريين قسراً إلى هذه المناطق السورية قبل التوصل لاتفاق مع الحكومة السورية بعد أن بدأ التطبيع معها منذ منتصف العام الماضي، ولذلك قال بأنه يهدف إلى إعادة عودة مليون لاجئ في غضون عام إلى المناطق التي تسيطر عليها تركيا. وفي هذا السياق افتتح وزير داخليته سليمان صويلو، الأسبوع الماضي، مشروع استيطانياً جديداً في مدينة جرابلس.

ولكن بالنسبة للعديد من السوريين في تركيا هذا الاحتمال لا يروق لهم. وقال سوري يدعى أحمد (28 عاماً) وهو طالب في جامعة أنقرة: «أود العودة إلى سوريا ولكن ليس إلى جرابلس… أود العودة إلى مكاني في بلدي… إلى اللاذقية»، في إشارة إلى المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة والمطلة على البحر المتوسط.

وتابع قائلا: إنه يود العودة لكنه لا يستطيع بسبب مخاوف أمنية مرتبطة بالحكم السوري الحالي.

وبسبب خضوعها لسيطرة الكثير من الفصائل المسلحة، تعاني مناطق شمال غرب سوريا التي تسيطر عليها تركيا من انعدام الأمن والقانون أيضاً، وفي هذا الإطار، قال آرون لوند، خبير الشؤون السورية في «سنتشري إنترناشونال»، وهي مؤسسة بحثية: “لا تزال الأوضاع في شمال سوريا سيئة للغاية وغير مستقرة، مما يصعب معه ترتيب عودة واسعة النطاق رغم كل هذه التقارير حول قيام تركيا وقطر ببناء مساكن وبنية تحتية”. وأضاف: “يبدو الأمر وكأنه قطرة في محيط، والوضع الاقتصادي العام آخذ في التدهور”.

وعلى الرغم من بدء أردوغان التطبيع مع الحكومة السورية، إلا أن التطبيع بين أنقرة ودمشق سيسر بشكل أبطأ مقارنة بوتيرة تحسن العلاقات بين دمشق ودول عربية، خصوصاً مع تركيز الأسد على انسحاب تركيا مقابل حصول التطبيع.

ويؤكد المتابعون للوضع بأن تركيا التي صرفت ملايين الدولارات على تدخلها في سوريا من أجل السيطرة على المحافظات التي تراها جزءاً من حدود الميثاق الملي التركي -حلب، الحسكة، الرقة ودير الزور- لن تنسحب من الأراضي السورية بسهولة، وستستخدم اللاجئين السوريين الذين ترحلهم قسرياً إلى مناطق غير مناطقهم الأصلية كحجة للبقاء في سوريا ريثما يتم ربط هذه المناطق كلياً بتركيا وإجراء استفتاء للانفصال عن سوريا وضمها إلى تركيا في تجربة مشابهة لتجربة لواء اسكندرون، فبعد أن اتفقت فرنسا وتركيا على ضم لواء اسكندرون لتركيا، قام النظام التركي بنقل الأتراك إلى تلك المنطقة ذات الغالبية العربية، وعندما أجرت الاستفتاء وافق المستوطنون على الانضمام إلى تركيا وبذلك فقدت سوريا لواء اسكندرون حتى اليوم.

إن ما تفعله تركيا من إعادة قسرية للاجئين السوريين إلى مناطق غير مناطقهم الأصلية هو انتهاك وفق القانون الدولي للاجئين، إذ ينص القانون الدولي للاجئين على أن جميع عمليات العودة يجب أن تكون طوعية.

وتنص أحد الأحكام الرئيسية في اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، على عدم جواز إعادة اللاجئين ـ والمصطلح القانونى هو حظر الطرد أو الرد ـ إلى بلد يخشى أن يتعرضوا فيه للاضطهاد، وبطبيعة الحال فأن الحكومة السورية المعروفة بقبضتها الأمنية، تعتبر اللاجئين معارضين وهم سبب ما جرى لها خلال أكثر من عقد من الزمن.

وتعرف المادة الأولى من اتفاقية 1951 بوضوح من هو اللاجئ. وتقول إنه شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد.

وبحسب القانون تقع على عاتق الحكومات المضيفة، بصفة أساسية، مسؤولية حماية اللاجئين. وتعتبر جميع الدول، بما فيها الدول التي لم توقع على الاتفاقية، ملزمة بالتمسك بمعايير الحماية الأساسية التي تعتبر جزءاً من القانون الدولي العام. ويجب، على سبيل المثال، ألا يعاد أي لاجئ إلى أراض تتعرض فيها حياته وحريته للتهديد.

والعائدون إلى المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا وفصائلها، حياتهم معرضة للخطر وكذلك حريتهم، لأنه ينتشر في هذه المنطقة فصائل لا تطبق القوانين وتنتهك الأعراض وتقتل المواطنين فضلا ًعن انتشار فوضى السلاح ووجود هيئة تحرير الشام التي تعتبرها الأمم المتحدة أرهابية.

وتحتفظ مفوضية اللاجئين بـ “التزام رقابي” على عملية الإعادة، وتتدخل حسب الاقتضاء لضمان منح اللاجئين الصادقين اللجوء وعدم إرغامهم على العودة إلى بلدان يخشى أن تتعرض فيها حياتهم للخطر. وتلتمس الوكالة السبل من أجل مساعدة اللاجئين على بدء حياتهم مجدداً، إما من خلال العودة الطوعية إلى أوطانهم أو، إن لم يكن ذلك ممكناً، من خلال إعادة توطينهم في دول مضيفة أو بلدان “ثالثة” أخرى.

وتعتبر العودة الطوعية إلى الوطن الحل المفضل للأشخاص النازحين وذلك عندما تسمح الأحوال السائدة فى بلد المنشأ بالعودة الآمنة، شريطة أن يعودوا إلى مناطقهم الأصلية، ولكن تركيا تنتهك القانون الدولي بتوطين اللاجئين قسراً وفي غير مناطقهم لتحقيق مصالحها واقتطاع أراضي دولة أخرى وهذا ما يتطلب موقفاً حازماً من المجتمع الدولي.

 

مشاركة المقال عبر