اتهـ ـامـ ـات بالتمـ ـييز الطـ ـائـ ـفي في التوظيف داخل مؤسسات سلـ ـطة دمشق

الإقصاء قنبلة موقوتة تهدد بانفجار الغضب الشعبي

 

في ظل التحـ ـولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها سوريا بعد سقـ ـوط النـ ـظام السابق، برزت إلى السطح قضـ ـايا حسـ ـاسة تتعلق بالعدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين، كان من أبرزها مؤخرًا اتهـ ـامـ ـات متزايدة بالتمـ ـييز الطـ ـائـ ـفي في التوظيف داخل مؤسسات سلـ ـطة دمشق. هذه القـ ـضـ ـية، وإن بدت إدارية في ظاهرها، إلا أنها تحمل أبعادًا خـ ـطـ ـيرة تهـ ـدد السلم الأهلي وتقـ ـوض أسس الاستقرار المجتمعي في بلد لا يزال يحاول لملمة جـ ـراح سنوات طويلة من الصـ ـراع.

وقد تصاعدت الشكاوى تحديدًا من بعض المواطنين في منطقة الساحل السوري، الذين أعربوا عن استيائهم من ما وصفوه بـ”المعاملة التفضيلية” لمتقدمين من طوائف معينة، على حساب آخرين، رغم تساوي أو تفوق المؤهلات. فقد تقدم عدد من المواطنين من الطائفة العلوية والأقليات بطلبات توظيف لوظائف إدارية وفنية (مثل عمال، محاسبين، إداريين) في مرفأ اللاذقية، وأكدوا أنهم استوفوا جميع شروط التوظيف، لكنهم تفاجأوا برفض طلباتهم، في الوقت الذي تم فيه قبول متقدمين من الطائفة السنية، رغم أن بعضهم يمتلك مؤهلات أدنى.

هذه الممارسات، إذا صحّت، فإنها تمثل انتهاكًا مباشرًا لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، الذي يجب أن يكون حجر الزاوية في إعادة بناء الدولة السورية. فالتمييز على أساس الانتماء الطائفي لا يؤثر فقط على المتضررين بشكل مباشر، بل يعمّق الإحساس بالغبن داخل المجتمع، ويعزز الشعور بالتهميش لدى فئات واسعة، وهو ما قد يفضي إلى تفكك النسيج الاجتماعي، ويغذي النزاعات والانقسامات التي لم يتعافَ منها السوريون بعد.

إن شعور أي مواطن بأنه مُقصى أو مُستبعَد فقط بسبب خلفيته الطائفية أو الدينية، هو بمثابة قنبلة موقوتة تهدد بانفجار الغضب الشعبي، وربما تؤدي إلى احتجاجات أو اضطرابات يكون من الصعب السيطرة عليها لاحقًا. والأسوأ من ذلك، أن الفراغ الناتج عن غياب العدالة قد تستغله جهات متطرفة لتأجيج الخطاب الطائفي، والدفع باتجاه مزيد من الاستقطاب والانقسام.

وبالرجوع إلى السياق العام، فإن السلطات، عقب التغيير السياسي الكبير، أصدرت قرارات بفصل آلاف الموظفين في المؤسسات الحكومية، تحت مبررات “إعادة الهيكلة” أو “عدم الحاجة” بسبب توقف المنشآت عن العمل أو تضررها خلال الحرب. لكن بعض هذه الإجراءات أثارت الريبة، خاصة حين طالت موظفين من مكونات طائفية محددة، ما زاد من الشعور بأن التوظيف بات أداة لتصفية حسابات طائفية أو سياسية.

من جهته، حذّر المرصد السوري لحقوق الإنسان من أن تجاهل هذه الممارسات، أو التقليل من خطورتها، قد يؤدي إلى انهيار ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة، ويُفقد هذه المؤسسات مصداقيتها، في الوقت الذي يُفترض أن تكون فيه نموذجًا للشفافية والعدالة.

ولا شك أن استمرار مثل هذه السياسات التمييزية سيؤدي إلى تعطيل جهود المصالحة الوطنية، وتأخير عملية إعادة الإعمار الاجتماعي والمؤسسي. كما أنه يهدد بخسارة طاقات بشرية مؤهلة تدفعها هذه الممارسات للهجرة أو الانكفاء، بدلًا من المشاركة في بناء وطن يتسع لجميع أبنائه.

ولعل الحل يكمن في مراجعة شاملة وعادلة لسياسات التوظيف، واعتماد معايير واضحة تستند فقط إلى الكفاءة والخبرة والمؤهل العلمي، بعيدًا عن أي انتماء طائفي أو ديني. كما أن من الضروري تفعيل دور الرقابة المجتمعية والإعلامية لكشف أي تجاوزات، ومحاسبة المسؤولين عنها، لضمان أن يشعر كل مواطن سوري، بغض النظر عن خلفيته، بأنه جزء متساوٍ من هذا الوطن.

في الختام، فإن التمييز الطائفي في التوظيف ليس مجرد خلل إداري، بل مؤشر خطير على خلل عميق في بنية الدولة والمجتمع. وإذا لم تتم معالجته بجدية وشفافية، فإن نتائجه لن تقف عند حدود فرص العمل، بل ستطال أسس العيش المشترك، وقد تعصف بما تبقى من استقرار هش في بلد أنهكته الحرب والانقسامات.

مشاركة المقال عبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى