الرئيسية العالم والشرق الاوسط

الهند وتدخلات أردوغان.. الغضب يختمر

غيوم التوتر تحاصر علاقات تركيا والهند لتوسع الحزام الدولي المناهض لسياسة بلد يتخذ من التدخلات بوابة لزرع شرارة الفوضى وحبك المؤامرات.

توتر خرج عن السيطرة منذ فترة ليتحول إلى حروب دبلوماسية شرسة تهدد كل ما كان يربط بين الدولتين تاريخيا وحضاريا، ويصنف أنقرة ضمن حلف أعداء نيودلهي، ما يرسم بالأفق شبح غيوم داكنة قد ترعد في أي وقت تصعيدا غير مسبوق بين البلدين، بحسب تقرير لشبكة العين الإخبارية.

نيودلهي تستنكر تجاوز نظام الرئيس التركي جميع الخطوط الحمراء بتدخله في شؤونها الداخلية، من ذلك قضية كشمير ومحاولاته الممنهجة لتحويل المسلمين الهنود إلى متطرفين وتجنيد الأصوليين، بل إن تقييمًا حديثًا في نيودلهي يشير إلى ظهور تركيا باعتبارها “مركزًا للأنشطة المعادية للهند”.

هنا، تبدو الهند الطرف المتضرر من سياسات أردوغان الخاطئة دوليا، وهو ما لا يعتبره مراقبون أمرا مستجدا بالنسبة لرجل دأب على إثارة النعرات والاستثمار في الأزمات من أجل الحصول على مبرر للتدخل العسكري، للاستيلاء على ثروات الشعوب، وتحقيق هوسه باستعادة الأمجاد الضائعة للإمبراطورية العثمانية.

وما بين الهوس والغزو، تنحو العلاقات الهندية التركية نحو انهيار تاريخي ترجمته خروج التصريحات المتبادلة بين الطرفين عن إطارها الدبلوماسي أو البروتوكولي المعتاد لتتخذ لهجة حادة بدرجة حروب كلامية تشي بتصعيد خطير مفتوح على جميع السيناريوهات.

كشمير والمسلمون

الدكتور أماليندو ميسرا، أستاذ السياسة الدولية بجامعة لانكستر بالمملكة المتحدة، رجح، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال انتريست” الأمريكية، أن تؤثر التوترات المتزايدة بين الهند وتركيا على الدول المجاورة لهما.

وأشار إلى أن من أهم أسباب تدهور العلاقات بين البلدين تدخل أردوغان في الشؤون الداخلية لنيودلهي، حيث يتركز موقف الرئيس التركي ضد الهند على تعاملها مع الأقلية المسلمة وسيطرة نيودلهي على منطقة كشمير المتنازع عليها مع باكستان.

ففي فبراير/شباط 2020، قال أردوغان: “باتت الهند بلداً تنتشر فيه المجازر. أي مجازر؟ مجازر بحق المسلمين، ويرتكبها الهندوس”.

انتقادات أردوغان تلك جاءت بعد 10 أيام من استدعاء الهند لسفير تركيا لتقديم احتجاج دبلوماسي على تصريحات أردوغان بشأن إقليم كشمير، وحذرت من تبعات ذلك على العلاقات الثنائية، لكن يبدو أن الرئيس التركي لم يكن مدركا لحجم تصريحاته وتداعياتها.

وإقليم كشمير الذي تعتبره الأمم المتحدة قضية بين نيودلهي وإسلام أباد، بات أيضا من الملفات القارة بكلمات أردوغان بالجمعية العامة للمنظمة الدولية، حيث يثيرها في كل مرة رغم أنه يعلم تماما أنه ليست هناك رغبة لدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي والعالم بأسره في التدخل بأمر يرون أنه يقع تماما في نطاق الشؤون الداخلية للهند.

طرح أكده ميسرا بالإشارة إلى أن وضع المسلمين وكشمير يعتبران دائما من ” القضايا الحساسة في السياسة الهندية”، لافتا إلى أن أي شخص يتحدث عن هذه القضايا أو يثير المخاوف بشأنها، سواء داخل الهند أو خارجها، يُنظر إليه بشك عميق ويُعامل بدرجة معينة من العداء، وهذا ما حدث لأردوغان.

ومع أنه من السابق تحديد الطرف الذي سيتكبد الوزر الأكبر من انهيار العلاقات، إلا أن ميسرا يقول إن الدلائل الأولية تشير إلى أن اتجاهات السياسة الخارجية لأردوغان بالنسبة للهند قد تصبح باهظة التكاليف بالنسبة لتركيا.

تصعيد غير مسبوق

تكاليف باهظة بدأت ملامحها تتشكل تدريجيا وتتبلور من خلال تصعيد نيودلهي لهجتها بشكل كبير حين حاول أردوغان مؤخرا إثارة قضية كشمير مرة أخرى في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذكّرت تركيا بأنها، على خلاف أنقرة التي غزت واحتلت جزءا من دولة ذات سيادة هي قبرص في عام 1974، لم تتخذ الهند أي إجراءات مماثلة فيما يتعلق بكشمير.

ومن أجل تذكير أردوغان بأن تركيا في وضع صعب فيما يتعلق بوحدة أراضيها والموقف الدولي، سارع وزير خارجية الهند الذي كان حاضرا في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى عقد اجتماع مع نظيره القبرصي لبحث طرح قرار في مجلس الأمن حول منطقة شمال قبرص التي تحتلها تركيا، وإعادة توحيد الجزيرة.

نيودلهي مضت لأبعد من ذلك في ردها على حروب أردوغان الكلامية ضدها، فقد ألغت في عام 2019 زيارة كان من المقرر أن يقوم بها رئيس الحكومة الهندية لتركيا، وذلك بعد قرار الهند وقف صادراتها العسكرية لتركيا ، ومن بينها الأسلحة ذات الاستخدام المزدوج، كما خفضت الهند بدرجة كبيرة وارداتها من تركيا.

وحينها، قال المتحدث باسم الخارجية الهندية رافيش كومار إن “الموقف الأخير ضرب مثالا آخر على نمط التدخل التركي في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، تعتبر الهند ذلك أمرا غير مقبول البتة”، مضيفا أن الهند قدمت احتجاجا رسميا دبلوماسيا قويا لتركيا.

ولم تقتصر خسائر أنقرة آنذاك على ذلك، بل قالت تقارير إعلامية نقلا عن مسؤولين هنود إن تأجيل الزيارة يأتي بالإضافة إلى تدابير أخرى من بينها إلغاء محتمل لعطاء بقيمة 2.3 مليار دولار تمّ منحه لشركة “أناضول شيبيارد” التركية، لبناء السفن من أجل مساعدة شركة هندية في بناء خمس سفن لدعم الأسطول الهندي حمولة كل منها 45 ألف طن.

هوس

أجندة سياسية لأردوغان يعتقد خبراء أنها دفعته لمحاولة توسيع نفوذه مع مسلمي جنوب آسيا، وخاصة أولئك في الهند، لضرب أكثر من عصفورين، أهمهم زرع الفوضى في بلد يتقاطع مع خط تماس مع مصالح حلفاء أنقرة بالمنطقة، وتحقيق هوسه بتقديم نفسه “وصيا” على المسلمين.

ووفق موقع “أحوال تركية”، قال مسؤولون هنود إن الحكومة التركية مولت زعيما انفصاليا متشددا في كشمير وهو سيد علي شاه جيلاني لسنوات، مشيرا إلى أن حكومة أردوغان تقوم أيضا بتمويل الندوات الدينية في الهند، وتجنيد الأصوليين الذين يحولون الناس إلى متطرفين، وإرسالهم في رحلات إلى تركيا لتعزيز تعلمهم.

ومطلع 2020، تدخلت تركيا عندما اندلعت احتجاجات على تعديل الهند لقوانين الجنسية، ليس فقط لانتقاد التغيير الذي كان يُعتقد أنه قد يضر بمصالح المسلمين ولكن أيضًا بالمال لمواصلة الاحتجاجات، وفقًا لتقييم استخباراتي.

ويعتقد مسؤولو الأمن الهنود أن الكثير من جهود التطرف هذه التي تمولها أنقرة تم تمويلها بالتنسيق مع أطراف أخرى، لكن الثابت هو أن أردوغان كان الزعيم العالمي الوحيد الذي تحدث علنا ​​ضد الهند في الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن كشمير.

مشاركة المقال عبر