العالم والشرق الاوسط

بقاء القوات الأميركية في الشرق الأوسط لا يزال ضروريا لإبقاء تنظيم الدولة بعيداً

يعزز هجوم تنظيم الدولة الإسلامية الأخير على أحد سجون عناصره في محافظة الحسكة السورية وعملية مقتل زعيم التنظيم أبوإبراهيم الهاشمي القرشي في عملية إنزال أميركية، بقاء القوات الأميركية في الشرق الأوسط للمساعدة في مواجهة التنظيمات الجهادية التي لا تزال نشطة رغم إضعافها.
وأثارت عملية قوات العمليات الخاصة الأميركية الخميس الماضي في شمال سوريا التي أسفرت عن مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبوإبراهيم الهاشمي القرشي، تساؤلات عن تأثير ذلك على تنظيم الدولة الإسلامية ومدى قدرته على مواصلة نشاطه، وأهمية استمرار تواجد القوات الأميركية في الشرق الأوسط.
وقد صرح مسؤول أميركي بأن القرشي قد فجّر نفسه قبل أن تدخل القوات منزله، ولم يُصَب أحد من الجنود الأميركيين في عملية الخميس الماضي لكن لقي 13 شخصا حتفهم من بينهم أطفال.
وكانت القوات الخاصة الأميركية قد قامت في أسبوع سابق بعمليات قتالية في شمال سوريا لمساعدة شركائهم الكورد في معركة لمواجهة اقتحام مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية لأحد السجون.
ويشير الكاتب والمستشار العسكري ماكس بوت إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن قال في كلمة للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي “إنني أقف هنا اليوم لأول مرة منذ 20 عاما والولايات المتحدة ليست في حرب. لقد قلبنا الصفحة”. ومن ثم فإن الدور الذي قامت به القوات الأميركية في محاربة تهديد متجدد من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا هذا العام يتناقض مع إعلانه المتفائل بصورة مبالغ فيها.
ويضيف بوت المؤرخ العسكري الروسي الأميركي في تقرير له، نشره مجلس العلاقات الخارجية الأميركي مؤخرا، أن هذه التطورات توضح سبب حاجة القوات الأميركية (التي يبلغ عددها تقريبا 2500 في العراق و900 في سوريا) للبقاء في الخطوط الأمامية لمواجهة التهديدات المنخفضة الشدة مثل تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية الذي أثبت قدرته على التحمل بصورة مذهلة.
وصمد تنظيم الدولة الإسلامية ولم يختف في حقيقة الأمر رغم كل ما واجهه من انتهاء خلافته، ومقتل زعيمه أبوبكر البغدادي في مداهمة أميركية عام 2019، حيث استأنف من جديد هجماته الخاطفة على جانبي الحدود العراقية السورية، بينما شنت الجماعات التابعة له هجمات من أفريقيا إلى أفغانستان.
ووفقا لتحليل لمايكل نايتس الزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، نفذ التنظيم 808 هجمات في العراق أثناء الربع الثاني من عام 2020 ومن ثم كان هناك انخفاض في الهجمات، يبلغ حوالي 330 هجوما بالنسبة إلى كل ربع من يوليو 2020 وحتى نوفمبر 2021 ومعظمها كانت هجمات ضئيلة إلى حدّ ما، لكن عام 2022 جلب معه موجة جديدة من الهجمات عالية الخطورة.
وفي محافظة ديالي بالعراق، على بعد 75 ميلا فقط شمال بغداد، هاجم مقاتلون يشتبه بأنهم من مسلحي التنظيم إحدى ثكنات الجيش العراقي في يناير الماضي، مما أسفر عن مقتل 11 جنديا وهم نيام.
وفي مدينة الحسكة السورية، هاجم مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية سجنا يأوي عددا من عناصره. وقتل المئات أثناء مشاركة قوات سوريا الديمقراطية مع القوات الأميركية لاستعادة السيطرة على السجن في هجوم بري شديد الوطأة.
ويؤكد بوت أن مقتل القرشي، الذي لم يكن ملء السمع والبصر، سيكون نكسة لتنظيم الدولة الإسلامية ، لكن ربما ستكون نكسة مؤقتة.
وتم تعيين القرشي زعيما لتنظيم الدولة الإسلامية بعد أقل من أسبوع من وفاة البغدادي عام 2019 ومن المفترض أنه سوف يتم تعيين زعيم آخر الآن، ولكن التنظيم أصبح يتبع نهجا لا مركزيا ومنتشرا إلى درجة أنه من المرجح ألا يتسبب التغيير في القيادة العليا في حدوث اختلاف كبير.
ويقول بوت إن أهم جماعات التنظيم، وهي الدولة الإسلامية في خراسان في أفغانستان مستقلة بدرجة كبيرة، ومن المحتمل أن تشهد فرصة للمزيد من الهجمات في الوقت الذي تسعى فيه طالبان جاهدة لتدعيم سلطتها في البلاد.
ومن ناحية أخرى، ما زالت حكومة العراق ضعيفة ومنقسمة على الدوام، وما زالت سوريا في حالة فوضى مع استمرار اشتعال الحرب الأهلية بعد مرور أكثر من عشر سنوات.
ويضيف بوت أنه من المؤكد تقريبا أن الافتقار إلى حكم فعال في أفغانستان والعراق وسوريا، سوف يوفر فرصا جديدة لتنظيم الدولة الإسلامية لشن هجمات في المنطقة واستعادة قوته.
وليس بوسع الولايات المتحدة أن تفعل الكثير لتحسين الحكم في أي من تلك الدول. وأفضل ما يمكنها عمله هو احتواء تداعيات الفوضى من خلال الإبقاء على تواجد محدود للقوات على الأرض في العراق وسوريا للتعاون مع قوات الأمن العراقية وقوات سوريا الديمقراطية، لتعزيز إمكانياتهما لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية مع احتواء زيادة القوة الإيرانية في الدولتين.
وأتاحت إعادة التموضع الأميركي في المنطقة الابتعاد عن تهديد قذائف الميليشيات العراقية الموالية لإيران في كل من غرب العراق وشرق سوريا، وفي الوقت نفسه البقاء على مقربة من البلدين، والاستفادة من تفعيل الأبراج الحدودية التي يقدر عددها بـ15 والتي تعتبر بمثابة ثكنات صغيرة الحجم، مهمتها رصد الحدود العراقية – السورية وتعطيل تمتع إيران بطريق يصل بين طهران والمتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان، ما يعني حتما تدمير تطلعات الإيرانيين وميليشياتها في العراق باستقرار الأمور لهم في البادية السورية التي يمر بها طريق دمشق – بغداد.
ويؤكد بوت أنه سوف يستطيع أي عدد من القوات الأميركية المتواجدة في المنطقة حتى لو كان ضئيلا نسبيا تحقيق اختلاف رئيسي؛ فباستطاعتهم تقديم يد المساعدة مثل المعلومات الاستخباراتية والإسناد الجوي الذي لا يتوفر لدى دول أخرى في المنطقة. ولكن في أفغانستان، تعتبر خيارات الولايات المتحدة محدودة بدرجة أكبر، ذلك لأن محاربة تنظيم الدولة الإسلامية سوف تدفع واشنطن إلى تحالف فعلي مع طالبان.
واعتبر أن بايدن نجح في سحب الولايات المتحدة من أفغانستان، ولكنه رفض بحكمة سحب القوات الأميركية تماما من محاربة الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط الكبير.
وتوضح أحداث الأسبوعين الماضيين أن تواجد القوات الأميركية ما زال مطلوبا لإبقاء تنظيم الدولة الإسلامية بعيدا.

مشاركة المقال عبر