الرئيسية تركيا سوريا

هيومن رايتس ووتش: المدنيون في خطر في شمال سوريا

أصدرت هيومن رايتس ووتش اليوم وثيقة أسئلة وأجوبة تركز على التهديد بالتوغل العسكري التركي في أجزاء من شمال سوريا. وتتناول الوثيقة الالتزامات الواقعة على أطراف النزاع بموجب قوانين الحرب، والمخاوف المتعلقة باللاجئين والنازحين، والآثار المترتبة على السوريين والأجانب المحتجزين في المنطقة لارتباطهم بتنظيم “الدولة الإسلامية”.

فمنذ مايو/أيار 2022، يُهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتوغل عسكري في شمال شرق سوريا يستهدف مدينتي تل رفعت ومنبج في محافظة حلب.

لماذا تهدد تركيا بعملية عسكرية في شمال شرق سوريا؟

وبحسب المنظمة فأن الهدف التركي الأول من شن الهجوم هو القضاء على قوات سوريا الديمقراطية وإنشاء ما يسمى منطقة آمنة بعمق 32 كم شمال وشرق سوريا، والهدف الثاني المعلن هو توطين مليون لاجئ سوري قسراً من تركيا هذه المنطقة. واعتبرت أن تركيا لم تمتثل بواجبها المُلزم المتمثل بعدم الإعادة القسرية، الذي يحظر إعادة أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه لخطر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

ونقلت المنظمة عن مركز معلومات روج آفا، أن الهجمات التركية الأخيرة على شمال وشرق سوريا سواء عبر القصف أو المسيرات أدت إلى فقدان وإصابة مدنيين بينهم أطفال.

ما هو الوضع الإنساني الحالي في شمال سوريا؟

وتطرقت المنظمة إلى الفيتو الروسي لإغلاق ثلاثة معابر حدودية لإيصال المساعدات الأممية إلى سوريا ومن بينها معبر اليعربية/تل كوجر ما أدى إلى قطع المساعدات الأممية عبر الحدود عن الشمال الشرقي بالكامل.

وأضافت المنظمة: “رغم أن نطاق العملية العسكرية التركية المتوقعة غير معروف بعد، من المرجح أن يؤدي أي هجوم كبير إلى نزوح آلاف آخرين، ما يُجهد الاستجابة الإنسانية التي بلغت بالفعل حدود إمكاناتها”.

ما كانت نتيجة التوغلات التركية السابقة في شمال سوريا؟

وأكدت هيومن رايتس ووتش أن التوغلات العسكرية التركية السابقة في شمال شرق سوريا كانت “حافلة بالانتهاكات الحقوقية، وفي الأراضي التي تحتلها تركيا اليوم، تنتهك تركيا والفصائل السورية المحلية حقوق المدنيين وتقيّد حرياتهم دون عقاب”.

وتابعت: “خلال غزو أكتوبر/تشرين الأول 2019 وبعده مباشرة، قصفت تركيا والجيش الوطني السوري، عشوائيا مباني مدنية ونهبت منهجياً الممتلكات الخاصة للسكان المحليين الكورد. اعتقلوا أيضا مئات الأشخاص، وقتلوا بإجراءات موجزة عناصر القوات الكوردية والنشطاء السياسيين والمسعفين في المناطق التي يحتلونها في شمال شرق سوريا”.

وأكدت أنه بحلول ديسمبر/كانون الأول 2019، اعتقلت السلطات التركية والجيش الوطني السوري ما لا يقل عن 63 مواطنا سوريا من شمال شرق سوريا، ونقلتهم بشكل غير قانوني إلى تركيا لمحاكمتهم بتهم خطيرة قد تؤدي إلى السجن مدى الحياة. بحسب تقارير، لا يزال معظمهم محتجزين في تركيا بانتظار نتيجة محاكماتهم الجارية. يبدو أيضا أن الجيش الوطني منع العائلات الكوردية النازحة بسبب العمليات العسكرية التركية من العودة إلى ديارها.

وفقا لـ “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا”، ارتكبت القوات المدعومة من تركيا أيضا عنفا جنسيا ضد النساء والرجال في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بما فيه ما لا يقل عن 30 حادثة اغتصاب. في 2021، أفادت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، وهي منظمة سورية غير حكومية مقرها أوروبا، أن فصائل الجيش الوطني السوري تجند الأطفال ووثقت ما لا يقل عن 20 حالة من هذا النوع.

تقاعست تركيا والفصائل المدعومة منها أيضا عن توفير إمدادات المياه الكافية لمناطق شمال وشرق سوريا. يعتمد نحو 460 ألف شخص في هذه المناطق على المياه من محطة مياه علوك قرب بلدة رأس العين (سري كانيه). انقطع إمداد المحطة عدة مرات بعد استيلاء تركيا والقوات المدعومة من تركيا عليها في أكتوبر/تشرين الأول 2019.

أسفر الهجوم العسكري التركي عام 2018 على عفرين عن مقتل عشرات المدنيين وتهجير عشرات الآلاف بحسب الأمم المتحدة. حققت هيومن رايتس ووتش في ثلاث هجمات باتجاه شمال غرب سوريا في حينها قتلت 23 مدنيا، ما ألقى بالشكوك حول ما إذا كانت القوات المسلحة التركية اتخذت جميع الإجراءات الضرورية لتقليل الضرر بالمدنيين. وضعت الجماعات المسلحة غير الحكومية المدعومة من تركيا يدها على ممتلكات المدنيين الكورد في عفرين، ودمرتها، ونهبتها دون تعويض أصحابها، ووضعت مقاتلين وعائلاتهم في منازل السكان. ذكر نشطاء محليون حينها ما لا يقل عن 86 حادثة انتهاك ترقى إلى الاعتقالات غير القانونية والتعذيب والاخفاء من قبل تلك الجماعات.

ما هي التزامات تركيا بموجب القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان أثناء أي عملية عسكرية في سوريا؟

بموجب القانون الدولي، على القوات المسلحة التركية اتخاذ جميع التدابير الممكنة لتجنب الخسائر في أرواح المدنيين، وإصابة المدنيين، وإلحاق الضرر بالأعيان المدنية أثناء العمليات العسكرية، وتقليلها في كل الأحوال. أي أنه عليها التقيد الصارم بالمعايير والإجراءات الدولية فيما يتعلق بوسائلها وأساليبها الحربية المصممة لمنع وقوع إصابات في صفوف المدنيين، وعليها الإبلاغ بشكل دائم وشفاف عن الغارات الجوية وخسائر العدو والمدنيين.

تحظر قوانين الحرب بشدة الهجمات التي تستهدف المدنيين أو الأعيان المدنية ما لم تكن لأغراض عسكرية، وتحظر الهجمات العشوائية التي لا تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية. كما يجب أن تكون الهجمات متناسبة، أي أن الخسائر المدنية المتوقعة أو الإضرار بالمباني المدنية يجب ألا يكون مفرطا بالنسبة للميزة العسكرية الملموسة المتوقعة.

على تركيا بدء تحقيق شامل ونزيه بسرعة في أي خسائر مدنية تنجم عن عملياتها. ينبغي أن تحدد المسؤولين عن وفيات المدنيين الناجمة عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي، وتحاسبهم، بما فيه من خلال المحاكمات الجنائية في حالة ارتكاب جرائم حرب. على تركيا أن تقدم تعويضات عن الوفيات والإصابات غير المشروعة في صفوف المدنيين، وتعويضات مناسبة عن الأضرار التي لحقت بالمدنيين.

ما هي التزامات تركيا بموجب القانون الدولي تجاه المدنيين في المناطق التي تحتلها نتيجة عمليتها العسكرية؟

بصفتها قوة احتلال و/أو داعم لأي فصائل محلية تعمل في المناطق الخاضعة لسيطرتها، على السلطات التركية ضمان عدم قيام مسؤوليها ومن تحت قيادتهم باحتجاز أي شخص تعسفيا أو اساءة معاملته.

على تركيا ضمان عدم حدوث نهب للممتلكات الخاصة أو الاستيلاء عليها بالقوة من أجل الاستخدام الشخصي. هذا محظور بموجب قوانين الحرب ويمكن أن يشكل جريمة حرب. لا يُسمح للمقاتلين بالاستيلاء على الممتلكات للاستخدام الشخصي، بما فيه لإسكان عائلاتهم. تحظر قوانين الحرب أيضا تدمير الممتلكات غير المبرر بضرورة عسكرية.

رغم أن قوانين الحرب تسمح للسلطات التركية باحتجاز أو اعتقال المدنيين في الأراضي المحتلة مؤقتا لأسباب أمنية، يُحظر عليها نقل المواطنين السوريين من منطقة محتلة إلى تركيا، سواء لأغراض الاحتجاز أو المحاكمة.

السلطات ملزمة بالتحقيق في الانتهاكات المزعومة وضمان معاقبة المسؤولين عنها بالشكل المناسب. يمكن تحميل المسؤولية الجنائية للقادة الذين يعرفون أو كان ينبغي أن يعرفوا بالجرائم التي ارتكبها مرؤوسوهم، لكنهم لم يتخذوا أي إجراء لمنعها أو لم يعاقبونهم.

على تركيا التدقيق في أي جماعات مسلحة تساعدها، وجعل الامتثال للقانون الإنساني الدولي شرطا للمساعدة، ومراقبة هذا الامتثال. ينبغي أن توضح أن النهب والاعتقالات التعسفية وسوء المعاملة غير قانونية، وأنها ستحقق في أي مزاعم ذات مصداقية عن انتهاكات من قبل الجماعات على الأرض.

وفيما يخص المناطق الآمنة التي تزعم تركيا إنشاءها في المنطقة، قالت المنظمة: “أظهرت التجربة الدولية أن “المناطق الآمنة” نادرا ما تظل آمنة… قد تعمد الأطراف التي تنشئ مناطق آمنة إلى استخدامها لمنع المدنيين الفارين من عبور الحدود، بدلا من توفير الحماية الفعلية. استُخدِمت هذه المناطق كذريعة لمنع طالبي اللجوء من الهروب إلى البلدان المجاورة وكسبب منطقي لإعادة اللاجئين إلى البلد الذي فروا منه. بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود أفراد عسكريين – يختلطون أحيانا بالسكان المدنيين ويشنون أحيانا هجمات من المنطقة الآمنة – يمكن أن يجعل الموقع هدفا عسكريا، وليس منطقة آمنة حقا. قد تُجند القوات أيضا مقاتلين، بمن فيهم أطفال، في المنطقة الآمنة. تعاني المناطق الآمنة من نفس المشاكل التي تواجهها مخيمات النازحين. قد تواجه النساء عنفا جنسيا أكبر بسبب الاكتظاظ والديناميكيات الاجتماعية المتوترة”.

باختصار، السجل التاريخي للمناطق الآمنة التي تحمي المدنيين ضعيف – من سريبرينيتشا في البوسنة والهرسك، إلى كيبيهو في رواندا، إلى مولايتيفو في سريلانكا.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وفي أعقاب الهجوم التركي الأخير على شمال شرق سوريا، وثقت هيومن رايتس ووتش مجموعة من انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها فصائل الجيش الوطني السوري، في الأراضي التي تمارس تركيا سيطرة فعلية عليها. تشمل الانتهاكات الموثقة القتل بإجراءات موجزة والاختفاء القسري، وكذلك مصادرة الممتلكات، والنهب، وعرقلة عودة السكان الكورد. هذا السجل من الانتهاكات يجعل من غير المحتمل للغاية أن تكون “المناطق الآمنة” التي تقترحها تركيا آمنة.

وحذرت المنظمة في الختام من أن أي هجوم تركي جديد سيؤثر على أطفال ونساء تنظيم الدولة الإسلامية المحتجزين في مخيمي الهول وروج. إذ سيفتقر المحتجزون إلى الطعام الكافي والمياه النظيفة والرعاية الطبية والمأوى.

ومن المرجح أن يتم تحويل قوات سوريا الديمقراطية وقوات الأسايش الأمنية الإقليمية عن حراسة المعتقلين لمحاربة القوات التركية. قد يؤدي ذلك إلى زيادة المخاطر الأمنية على المحتجزين واحتمال اندلاع اختراقات وانتفاضات في صفوف المتشددين المشتبه بانتمائهم إلى التنظيم.

من المُرجح أن تُعلّق عمليات إعادة الأجانب، البطيئة والمجزأة أصلا، بسبب مخاوف البلدان الأصلية بشأن إرسال دبلوماسييها أو مواطنين آخرين إلى شمال شرق سوريا لإخراج المعتقلين وسط معركة مستمرة.

مشاركة المقال عبر